عن الشمال السوري والمعركة المنتظرة: بروفا الانتصار في حلب
| فرنسا – فراس عزيز ديب
هكذا أعلن نظام «آل خليفة» في البحرين عن رغبته باستضافة اجتماعات «كونغرس الفيفا» في أيار القادم، وذلك بعد اعتذار ماليزيا عن الاستضافة بسبب مشاركة الوفد «الإسرائيلي». كان الكيان قاب قوسين أو أدنى من الطرد بسبب نشاط الأندية القادمة من المستوطنات، لتكون الصفعة الثانية له بعد إقرار «اليونسكو» أن الأماكن المقدسة لا علاقة لها تاريخياً بما يسمونها «دولة إسرائيل»، لكنه لم ينجو من الطرد فحسب، بل ارتفعت أسهمه عندما قررت مشيخة نفطية استضافة وفده والاعتراف به رسمياً.
نعتذر للزملاء في القسم الرياضي؛ لا نريد التعدي على اختصاصهم، لكن هذه المقدمة تبدو ضروريةً ليس لتبيان الدرك الأسفل الذي وصلت إليه تلك المشيخات فحسب، لأن الأمر بات من المسلمات، ولكن لتبيان ماهو أهم: إذ يبرر مسؤولو المشيخة هذه الاستضافة بأنه «علينا رؤية الجزء المملوء من الكوب»، فانعقاد المؤتمر ولو بحضور وفد الكيان سيعزز مكانة المشيخة على الخارطة الدولية.
إذاً هي ليست مشكلة «الطغم الحاكمة» في أمتنا وانبطاحها، إنها مشكلتنا نحن «البسطاء» في هذه الأمة لأننا دائماً لا نرى الجزء المليء من أكواب انبطاحهم، حتى تحولت هذه العبارة من حكمةٍ هدفها استنهاض الهمم لإعادة قراءة الواقع بطريقةٍ تدفعنا لتغييره انطلاقاً من الإيجابيات التي حققناها، إلى وسيلةٍ لتبرير الخيانة والتآمر أمام القطيع الذي يصدقهم.
تخيلو مثلاً أننا فشلنا في رؤية الجزء الممتلئ من كوب احتلال العراق وتدميره، وهو «سقوط الديكتاتور»، في الوقت ذاته تتراقص باقي الديكتاتوريات في هذه الأمة على دماء الأبرياء في بلدٍ مدمر. هل نذكركم بالجزء الممتلئ من كوب التآمر على ليبيا الذي اشترك بشرحه لنا «بعض» من أعداء أميركا وجميع حلفائها، ألا تستحق عبارة «سقوط الطاغية» صفة «الجزء المملوء» من كوب تدمير ليبيا وتمزيقها، إلى متى سنبقى بسطاء وضعاف النظر؟!
هي سردية لا تنتهي، من فلسطين إلى اليمن إلى سورية، لازال هناك من يقنعنا أن المشكلة بعدم رؤية الجزء الممتلئ من الكوب، لكن المشكلة الأولى والأخيرة تبدو بما يحتويه هذا الكوب، إنهم خبروا كيف يسقون الأبرياء علقماً ليتراقصوا على جثثهم، ولتستمر الحروب كإحدى أدوات نجاتهم، وهذا الأمر كان ولا يزال يتحقق لهم في سورية، فما الجديد؟
على وقع استعار الحرب الإعلامية والسياسية ضد الروس والسوريين، انتظر الجميع ما ستسفر عنه مبادرة «دي ميستورا» لإخراج «جبهة النصرة» من الأحياء الشرقية في حلب بهدف فصلها عن ما يسمونها «المعارضة المعتدلة». لا «النصرة» خرجت، ولا هي سمحت لأحدٍ بالخروج، أساساً هل من عاقلٍ كان يتوقع غير ذلك؟!
أما اجتماع «لوزان» فكان فرصةً لالتقاط الصور مع قليلٍ من الجبنة السويسرية لا أكثر، وهل من عاقلٍ يصدق أن الولايات المتحدة سهلت مشاركة إيران والعراق ومصر لتقدم تنازلات؟ هذا الأمر قلناه قبل انعقاد الاجتماع مهما غرق البعض بتفاصيل «مصادره الخاصة» عن فرضية «الاتفاقات السرية»، فيما تصريحات «الجبير» عن استمرار دعم الإرهابيين بالسلاح كانت علنية.
أما الحديث عن إمكانية مبادلة «حلب» بـ«الموصل» فهو حديث أقل ما يقال عنه «مراهقة سياسية»؛ تحديداً أن المراهقة الفكرية تبدو في كثيرٍ من الأحيان أخطر بكثير من باقي أنواع المراهقات، والسبب واضح: الجيش العربي السوري والحلفاء وسكان المناطق الآمنة في المدينة قدموا حتى الآن آلاف الشهداء والجرحى ليستمروا في صمودهم، وحدها المعارك الأخيرة في ريف حلب أدت لارتقاء عشرات الشهداء والجرحى من القوات العاملة على الأرض بكامل تقسيماتها، ويأتي هناك من يحدثنا عن «مبادلة»!
هذه المعطيات معطوفة على تزاحم القطع البحرية الروسية التي تسلك طريقها نحو سورية، ليست وحدها التي تدفعنا للجزم بأن الوضع يزداد توتراً. لكن لندقق بما قاله وزير الخارجية الأميركي قبل أيام وتحذيره حصراً للروس والسوريين بأن سقوط حلب لايعني انتهاء الحرب. كلام «كيري» كان أشبه برسالةٍ لها هدفان: الأول أن سقوط حلب ليس بالسهولة التي يتوقعها الروس وأن إعادة تسليح الإرهابيين لن يتوقف. النقطة الثانية أن سقوط حلب سيتبعه فتح معارك جديدة لن تكون أقل ضراوةٍ، بما فيها الريف المتاخم لحلب، كي لا يطمئن الطرف الآخر لانتصاره، فهل تكون «الباب» هي البوابة التي تحدث عنها «كيري» لضمان استمرار الحرب بمناطق ضاغطة على الروس والسوريين؟ تحديداً أن التركي المستميت على المعركة في الشمال والمجازر التي ارتكبتها مقاتلاته بحق المدنيين بدت أشبه بتوكيلٍ أميركي لـ«العدالة والتنمية» في الشمال السوري، رافقته تصريحات «أردوغانية» مكررة للمرة المئة حول الاقتراب من فرض «مناطق آمنة».
دائماً ما نكرر عبارة أن «أردوغان» يخدع الجميع، ربما هناك من ينظر لهذا التعبير بشيء من عدم الرضا، لكن الوقائع والمعطيات تمنحنا عشرات الحجج بأن «أردوغان» لم ولن يتراجع، فيما لازال المدافعون عن إمكانية تحقيق خرقٍ في الموقف التركي عاجزين عن إعطائنا دليلاً واحداً على بوادر هذا التراجع. هل نبدأ بالهدف بعيد المدى لاختيار جميع الإرهابيين لمدينة «إدلب» كوجهةٍ لهم عندما يخرجون من المناطق التي احتلوها؟ ماذا عن حركة «نور الدين زنكي» الإرهابية وإعلانها بالأمس ولو «فيسبوكياً» عن انطلاق عملية فك الحصار عن حلب، في الوقت الذي يدعي فيه التركي السعي لنجاح الهدنة، لمن تتبع هذه الجماعة الإرهابية وممن تتلقى الدعم المباشر؟!
لكن ما أخطر من هذه المآرب التركية الواضحة والعلنية هو «النفخ» الأميركي بحجم تركيا ومقدراتها، فماذا لو حدثت مواجهة مباشرة بين الأتراك من جهةٍ والروس والسوريين من جهةٍ ثانية في ظل التهديدات السورية للطائرات التركية بعد المجازر التي ارتكبها الأتراك في شمال حلب منتصف هذا الأسبوع، أو في ظل الأخطاء المتواصلة لطيران التحالف وكان آخرها «الخطأ» الذي ارتكبته «طائرات إف 16» البلجيكية؟ ربما الاحتمال قائم والأميركيون فيما يبدو يسعون لهذا النوع من الصدام، أما الروس فهم حتى الآن لم يتورطوا بتصريحاتٍ مفرطة في التفاؤل بشأن التحول التركي، وربما هو موقف يسجل لهم بعكس الإيرانيين، ففي زيارته الأخيرة لإسطنبول أعلن وزير الخارجية الإيراني عن التوصل لاتفاقٍ مع تركيا للتعاون من أجل إنهاء الأزمة في سورية، لكن وبعد انعقاد قمة وزراء خارجية مشيخات النفط مع تركيا والذي طالب إيران بوقف تدخلاتها في المنطقة، ردت إيران ببيان تحمل فيه بعض المجتمعين مسؤولية تدهور الأوضاع في حلب، وحكماً أن تركيا من هؤلاء «البعض»، لأننا لا يمكن استثناؤها على الأقل جغرافياً، وربما أن استثناءها يبدو أكثر غرابة، إذاً ما مصير الاتفاق الذي تحدث عنه «ظريف»؟! هل انقلبت تركيا عليه كالعادة، أم أنه لم يصل لمستوى اتفاق أساساً؟ للأسف الجواب ليس عندنا، تحديداً أن المواقف التي أبدتها الطغمة الحاكمة في تركيا تجاه معركة تحرير «الموصل» لم يكن هدفها إلا تسعير نار الطائفية والعرقية في المنطقة، وهو ما يتعارض بشكلٍ كاملٍ مع ما تسعى إليه إيران، فماذا ينتظرنا؟
قالوا إن الحرب على سورية مزقت العالم وشرذمته، هناك تحالفات سقطت وهناك أنظمة انكشفت حتى آخر قطرة خيانةٍ أو ترهل. لم يكن مستغرباً أن تكرر القيادتان الفرنسية والألمانية الأسطوانة الموجودة في إعلام النفط حول ما يجري في حلب، لكن الجديد هذه المرة أن سعي كلا الجانبين لفرض المزيد من العقوبات على روسيا وسورية لم يكشف فقط هروب الطرف الآخر من المواجهة المباشرة، لكنه كشف أيضاً الانقسام الحاد في الاتحاد الأوروبي بين مؤيدٍ ومعارضٍ لهذه العقوبات. المعارضة هذه المرة لم تكن خجولةً بل خرجت للعلن وبشكلٍ جدي، بل هناك من سماها عقوباتٍ أشبه باللعب على حافة الهاوية بالنسبة للأوروبيين، لأن الروس هذه المرة قد يتمكنون من الضرر حتى بصناعة الطائرات الأوروبية. عليه فإن هدا الانقسام يوحي بأن طرح العقوبات الجديدة هو من باب الاستعراض، ولن ينجح في خلق حالةٍ ضاغطة على الروس للتراجع في الخيار السوري، تحديداً بعد أن سقط خيار الحرب المباشرة، فالأمر حكماً محسوم في الميدان، ومعركة حلب تبدو أنها مجرد بدايةٍ لا أكثر، والعدو الذي سيكون في الواجهة هو حكماً «التركي» لما أخذه من جرعاتٍ منشطة. هنا قد نعود لعبارة «النصف المملوء من الكأس»، ولكن بالطريقة الإيجابية المبنية على ثقةٍ بأن المستقبل نصنعه بصمودنا لنقول:
دعوا «أردوغان» يتورط أكثر على الأرض السورية، لماذا لا نعتبر هذا التورط هو «الجزء المملوء من الكأس»… وانتظروا