مغامرات في أرض حرام… دور الترجمة وأثرها الحضاري… ألف ليلة وليلة أنموذجاً … نقد أدبي للدكتور ثائر زين الدين في الترجمة والأدب المقارن
| عامر فؤاد عامر
تعدّ الترجمة جسراً لتقارب الحضارات بعضها مع بعضٍ، لكن إذا بحثنا عن دقائق هذه الكلمة وجذورها وبداياتها فسنجدها قد لعبت دوراً مهماً في نهوض مجتمعات وولادة تيارات فكرية لم تألفها شعوب مناطق عن غيرها. والأمثلة في ذلك كثيرة ونستعين بما أورده د. ثائر زين الدين في كتابه الجديد «مغامرات في أرض حرام» بعض الأمثلة منها أن الفرس لم يعرفوا الشعر كجنسٍ أدبي في أدبهم بالمجمل لكنهم بدؤوا بمحاكاته وأدخلوه تدريجياً إلى حياتهم الأدبية بعد أن امتدت الدولة العربية الإسلامية وفرضت دعائمها بقوة، فجاء لديهم نتاجٌ مهمُ عالمي كما في «رباعيات عمر الخيام» وغيرها. لذلك يعدّ مؤلف الكتاب أن الترجمة مغامرة وفيها جوانب إيجابية مهمة ومؤثرة وفيها جوانب سلبية ترتبط بأخطاء ربما يقع فيها المترجم ويرتكبها لصعوبة المهمّة وشقائها. ولكن في النهاية لا بدّ من الاعتراف بأن للترجمة دورها البارز في المحافظة على جسم الأدب العالمي موحداً.
مغامرة
يقول الجاحظ في كتابه «الحيوان»: «الشعر لا يُستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوّل تقطّع نظمه وبَطَلَ وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب منه». ولهذا الرأي مؤيدوه أيضاً، لكن المغامرة تقتضي من المترجم أن يحاول ويقدّم، ومع مرور الوقت لا بدّ لمن يُسحر ويُعجب بما يقرؤه من أشعارٍ مؤلفة في لغةٍ من اللغات من أن يطرق باب المغامرة فيحوّل النص الشعري إلى لغته الأمّ. ولذلك يحاول د. زين الدين أن يجمع ما يمكن جمعه من ملاحظات وقواعد أشار إليها أهل التجربة وأصحاب الباع الطويل في عملية الترجمة عبر العصور، فالسير جون دنهام يشير إلى أن الترجمة يجب أن تتم بإضافة روح جديدة على الشعر، وعلى المترجم أن يكون شاعراً مجيداً ليتصدى للمهمة، أمّا المترجم والناقد عبد الغفار مكاوي فيقول: على المترجم أن يكون شاعراً كبيراً أو على الأقل أن يمتلك حساسيّة الشعر، فهي مخاطرة في إعادة إبداع عمل سبق إبداعه. أما المترجم بشير السباعي فيشير إلى فكرة الاعتراف بالآخريّة، وبعدم جواز طغيان صوت المترجم على صوت الشاعر. في نهاية هذا الفصل أورد المؤلف على سبيل المثال قصيدة كتبها الشاعر والصحفي السوفييتي قسطنطين سيمونوف سنة 1941 بثلاث نسخ مُترجمة من د. أيمن أبو شعر وترجمها منظومة عن الروسية، وواحدة له وترجمها نثراً عن الروسية أيضاً، والثالثة لـكمال فوزي الشرابي وترجمها عن الفرنسيّة، وترك العنان للقارئ في إجراء مقارنة بين هذه النصوص الثلاثة.
الشعر وشهوة الحياة
يورد مؤلف كتاب «مغامرات في أرض حرام» مقارنة بين قصيدة قام بترجمتها للشاعر الروسي «سيرغي يسنين» وقصيدة «أدب الشارب» للأخطل الصغير، وبالمقارنة بين النصين يورد تشابهاً في المعنى السطحي لكلتا القصيدتين وهو في أدب الشراب، أما المعنى الأعمق المتشابه فهو في الدعوة إلى الانغماس في اللذة وتأكيد الذات الفرديّة أي دعوة للحياة والانخراط في البهجة والفرح والحب، لكن التناقض بين القصيدتين يرد عندما نفهم من سياق النصين أن الشاعر «يسنين» لا يخشى الموت بل ينغمس في الحب إلى القاع، لدرجة تجاهله للموت. بينما موقف الأخطل الصغير هو موقف الكهل الذي ذاق حلاوات الدنيا، فيستذكر صباه ويحنّ للماضي، رافضاً الموت.
عودي
يقول مؤلف الكتاب في هذا الجزء: «ليست قليلة تلك المرّات التي أعادتني فيها قصيدة روسيّة أقرؤها أو أترجمها إلى قصيدة لشاعر عربي، وكان سرّ ذلك بالتأكيد هو جملة من الروابط المختلفة بين النصين، ومن أواصر القربى، وعلى رأسها تشابه الفكرة، أو تقارب أسلوب المعالجة أو وحدة الموضوع، أو تماثل الحالة الإنسانية التي انطلق منها النصّان، فإذا بهما يتقاربان فيما يصلان إليه…». وكمثال على ذلك جاءت قصيدة «عودي» للشاعر «عمر أبو ريشة» التي كتبها في العام 1965 بالمقارنة مع الشاعرة السوفييتية «آنا أخماتوفا» في قصيدتها القصيرة المكتوبة في العم 1911. ونترك للقارئ اكتشاف وجه الشبه بين هذين النصين.
المتنبي وفكتور هوغو
يلقي الضوء في هذا الجزء من الكتاب على مدى تأثر «فكتور هوغو» بأبي الطيب المتنبي في شعره وأدبه، والرواية الأولى لفكتور التي كتبها عام 1821 بعنوان «هان الآيسلندي» تشهد بأنه قرأ شعر المتنبي وأعجب واستفاد منه، فيستهل فصلين من روايته تلك بشعرٍ للمتنبي. ولا نستغرب ذلك، ولاسيما أن اهتمام الغرب بالمتنبي ونقله عبر الترجمة جاء منذ عام 1656 وتكرر حضوره منذ ذلك الوقت في مؤلفاتٍ كثيرة.
الترجمات واللغة العربية
يبقى للترجمة دورها الإيجابي في إيصال أهم وأجمل النصوص العالمية من شعر ورواية وفنون أدبية أخرى للقارئ العربي، وقد ينسى البعض اسم المترجم فيذكر الكتاب ومؤلفه متجاهلاً تعب المترجم وفضله في إيصال الترجمة لهم. وفي هذا الجزء أورد الكاتب أمثلة في أفضل المترجمين الذين هم في الأساس أدباء وشعراء فجاءت ترجماتهم قوية متينة توصل المعنى والهدف من الترجمة، ومنهم: د. سامي الدروبي وترجمته لأعمال دوستويفسكي، وعبد الغفار مكّاوي وبشير السباعي في ترجمتهما للأدب الروسي، وصياح الجهيم في الترجمة عن الفرنسيّة، والشيخ جعفر في الشعر الروسي، وأحمد الصاوي محمد عن الفرنسية. وفي نفس الوقت يجب الانتباه إلى أن كثيراً من الأسماء طرقت باب الترجمة ونقلت إلى العربية كثيراً من النصوص إلا أنها أخفقت بسبب انعدام تجربتها في الكتابة والتأليف في لغتها الأم، ولذلك تكثر الأخطاء في التعابير والمعاني، وهذا ما يجب الانتباه له والتحسب له ففي ذلك تشويه وأخذ للقارئ باتجاهاتٍ لن تفيده حتماً. وفي هذا الجزء ذكر لأمثلة متعددة تبين الضعف والأخطاء المرتكبة في عملية الترجمة عبر هؤلاء، الذين يمكن تسميتهم المتسلقين.
ألف ليلة وليلة
أثر كتاب ألف ليلة وليلة في العالم لدرجة أن كثيراً من الباحثين والكتاب العالميين قدموا دراساتٍ عنه وألفوا تأثراً به، وتشير الدراسات إلى أنه قدّم نقلة نوعية في الخيال وكسر التقليد ولاسيما لدى الغرب، ومن الفوائد التي يعترف بها أهل الأدب والمختصون أن هذا الكتاب سبغ رؤية للغرب عن الشرق لم يتمكن فيها إلى اليوم من تغييرها، وقد أثر في أوروبا كثيراً في المسرح والفنّ والموسيقا، بسبب ما في الكتاب من خيال رائع ووثّاب، وكسر الكلاسيكيّة التقليديّة التي ملّها الغرب، وكان لهذا الكتاب الفضل الكبير في بناء شخصيات أدبية كثيرة نذكر منهم وباعترافاتٍ صريحة منهم: «بورخيس، وغابرييل غارسيا ماركيز، وفولتير، وبوشكين، ومونتسكيو»، وغيرهم الكثر، ولذلك نجد الكثير من المؤلفات التي جاءت محاولة في محاكاة ألف ليلة وليلة أو لإتمام هذا الكتاب، ويمكن القول بأن انتشار الكتاب ولّد دافعاً للكثيرين في زيارة الشرق والتعرف إليه. وقد ترجم الكتاب إلى لغات كثيرة وتناقلت قصصه لتؤثر في كل من يسمعها ولا يمكن اليوم أن تطرح اسم شخصياتٍ مثل سندباد وعلي بابا وعلاء الدين وشهرزاد وغيرها وفي أي مكانٍ في العالم دون أن يعرف عنها سامعها شيئاً.
رسائل الشباب
يقدّم بعض الأدباء في مرحلة متأخرة من العمر مجموعة من النصائح للأدباء الشباب فيها الكثير من التوجيهات وخلاصة التجربة التي مروا فيها، وهي حالة موجودة في أغلبية البلدان التي تسعى للارتقاء بأدبها وأدبائها، وفي هذا الجزء يشير المؤلف إلى بعض الأمثلة في ذلك مثل ماريو فارغاس يوسا، حيث جعل من رسائله كتاباً عميقاً في دقائق العمل الروائي، وقصيدة الشاعر الروسي فاليري بريوسوف التي جاءت بعنوان «إلى شاعرٍ شاب»، وغيرهما.