ثقافة وفن

نحو خطاب عربي موحد حول التطرف .. الصالح: إرادة سورية أن تجمع العرب.. ومشيئة دمشق أن تكون قلب العروبة النابض أبداً … عبد الحسين شعبان: خطر التطرّف يهدد مختلف الشعوب والدول بفعل تأثير العولمة وتطوّر التكنولوجيا وتقنيات الاتصال

| سارة سلامة

لقد ضرب التطرف والإرهاب بكل أشكاله وأبعاده أرجاء واسعة من الوطن العربي حاصداً الكثير من الضحايا، عابراً للحدود والقوميات، ومخلفاً الكثير من الخسائر، وذلك تحت شعار نشر الديمقراطية، كما أن الإرهاب ليس مرتبطاً بفئة أو بشعب معين أو ثقافة معينة، كان من الواجب علينا أن نشكل قوى مناهضة وجسر تواصل بين المفكرين المتنورين لبحث أهمية هذا الخطر الكبير والعمل معهم للوقوف بوجه كل فكر معتدٍ غاصب.
هذا ما دفع مكتب الإعداد والثقافة والإعلام في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي لعقد ملتقى الحوار القومي في دورته التاسعة، تحت عنوان «نحو خطاب عربي موحد حول التطرف»، وذلك بحضور الأمين القطري المساعد لحزب البعث المهندس هلال الهلال، وبمشاركة اتحادي الكتاب العرب والصحفيين في مكتبة الأسد الوطنية يوم أمس، وأكد المشاركون ضرورة بناء إستراتيجية عربية وتكوين خطاب عربي موحد، لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب بالتوازي مع تفعيل مبادئ التربية الأخلاقية والاجتماعية والثقافية وتحقيق التنمية الاقتصادية.

وأكد الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتاب العرب أن أهمية الملتقى تأتي باعتباره استجابة لضرورات ثقافية وطنية قومية ويسهم في مد الجسور بين المثقفين والمفكرين السوريين والعرب ما يؤكد عمق الهوية القومية على الرغم من محاولات القوى المعادية التي تحاول تشويهها وبعثرتها.
وأضاف الصالح إن الملتقى استضاف المفكر والباحث العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان، والمفكّر والباحث التونسي عمر الشاهد، والمفكّر والباحث المصري الدكتور مصطفى السعيد، الذين يمثلون ثلاثة أجزاء من جغرافيا العرب ويجتمعون في سورية لأن إرادة سورية أن تجمع العرب وأن مشيئة دمشق أن تكون قلب العروبة النابض أبداً، مبيناً أن الملتقى يحاول أن يقدم إجابات حول التطرف وهل التطرف يعني التعصب؟.. وهل التعصب يؤدي إلى الإرهاب؟.
وقدم المفكر والباحث العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان رؤية استشرافية لمواجهة ومعالجة ثلاثية «التعصب، والتطرف، والإرهاب»، ورأى شعبان أن التعصب هو المسبب الرئيسي للتطرّف، والإرهاب هو النتيجة، وذلك عندما يتحوّل الفكر المتشدد إلى ممارسة وفعل على الأرض، وكشف أن المجتمع الدولي منذ حقبة منظمة «عصبة الأمم» حتى اللحظة لم يضع تعريفاً جامعاً للإرهاب، بل كان يصوغ تعريفاً جزئياً، مذكراً بالدعوة التي وجّهها القائد المؤسس حافظ الأسد عام 1986 لوضع تعريف موحّد لهذا المفهوم، وذكر شعبان أنه شارك في العام نفسه بمؤتمر يتعلق بمكافحة الإرهاب، ودخل في مناظرة مع بروفيسور أميركي حاول أن يعرّف الإرهاب بالقتل الذي يمارسه الأفراد، متجاهلاً الإرهاب الذي تقوم به «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد شعبان أن الأمر يتطلّب صياغة خطاب جديد وبحثاً فكرياً متكاملاً لوضع إستراتيجية شاملة لمواجهة التطرّف، ومعالجة فكرية وثقافية وتربوية ودينية طويلة الأمد للقضاء عليه، لأن خطر التطرّف أصبح يهدد مختلف الشعوب والدول، وذلك بفعل تأثير العولمة وتطوّر التكنولوجيا وتقنيات الاتصال، موضحاً أن التنظيمات الإرهابية أمثال «داعش» و«النصرة» وغيرها، لم يكن بمقدورها التوسّع والانتشار ما لم تجد بيئة حاضنة تحتويها وتغذّيها وترفدها بمقوّمات الحياة والنمو والاستمرار، مشيراً إلى أن مفاهيم التطرّف والتعصب والإرهاب لا تقتصر على أمّة أو دين أو دولة، لكون العالم بمختلف مجتمعاته وثقافاته وأديانه يواجه خطر هذه المفاهيم ويتعرّض لآثارها ويعمل على محاربتها، لما تسبب من أخطار كبيرة على أمن المجتمعات واستقرارها ومستقبل أفرادها.
ودعا شعبان إلى فتح جبهة فكرية واسعة لمحاربة التطرّف، وضرورة المضي في تحقيق العدالة الاجتماعية، وإعادة النظر بالمناهج التعليمية وتنقيتها من معاني التعصب، والتركيز على دور الإعلام وتأثيره في مواجهة مفاهيم التطرّف والتعصّب والإرهاب.
من جانبه ركز المفكر والباحث التونسي عمر الشاهد في مداخلته على قضية التطرف في المجتمع العربي معتبراً أن التطرّف لا يقتصر على الجانب الديني، بل يتعدّاه إلى جوانب أخرى مثل التطرف العرقي والأيديولوجي، كما بينَ أن تعريف هذا المفهوم يختلف مع تغيّر الأمكنة والأزمنة ويخضع لمصالح الأمم والدول، مشيراً إلى أن من أهم أسباب انتشار التطرّف والإرهاب وجود مؤسسات إعلامية عملاقة تغذّي هذا الفكر وتبثّه في أوساط الشباب من دون رقيب أو حسيب، وكشف أن المسؤولية تقع على الكثيرين منا وذلك في ترك الساحة للمتطرّفين وعدم القيام بالواجب المنوط بنا في مواجهة أفكارهم المتشددة والتصدي لها بفكر مضاد، ما سمح لهم بالتسلل لعقول الشبان والعبث بها وتوجيهها نحو أدبياتهم وأفكارهم المتطرّفة، وأضاف الشاهد أن الصراع مع هؤلاء أصبح مصيرياً لأنهم يكفّرون المجتمعات والدول التي يعيشون فيها، ويعملون على إنشاء مجتمعات خاصة بهم، مستخدمين القتل والإكراه وسيلة لتحقيق ذلك.
وأشار الشاهد إلى أنه لمحاربة نهج وفكر هؤلاء يجب العمل على ضرورة محاربة الفقر والبطالة، وأن نأخذ بعين الاعتبار تقديم الرعاية النفسية للشبان والبحث في المشاكل والهموم التي يعانون منها، كي نتفادى الأسباب التي تدفعهم نحو التطرّف والإرهاب، معقباً على الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام من كشف التطرّف والأشخاص القائمين عليه، مشيراً إلى أهمية ملء أوقات الشبان بما هو نافع ومثمر، وضرورة تشكيل رأي عام نابذ للإرهاب والتطرف.
بدوره تحدث المفكر والباحث المصري الدكتور مصطفى السعيد عن نشأة الحركات العنصرية في العالم مثل النازية والفاشية والحركات المتطرفة في المنطقة «الوهابية والإخوان المسلمين والقاعدة» والظروف التاريخية التي مرت بها وطبيعة خطابها مؤكداً أن هزيمة الفكر التكفيري لا تتم إلا عبر هزيمة مشروعه الاستعماري.
مضيفاً إن حركتي الوهابية والإخوان نشأتا بمساعدة الاحتلال البريطاني ودعمه، كما أن القاعدة نشأت بمساندة من أميركا والسعودية، وإن هزيمة الأفكار التكفيرية تكون أولاً عبر هزيمة المشروع الاستعماري الذي أنشأها، وثانياً عبر سيادة الفكر العلمي والمنطق والمنهج العلمي، متمنياً أن تكون سورية المحطة الأولى لبناء مشروع نهضوي قادر على بناء المستقبل، بعد أن كانت المحطة الأولى لكسر المشاريع الاستعمارية.
وفي تصريح خاص لـ«الوطن»: أكد رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور نضال الصالح أنه: «يتابع مكتب الإعداد والثقافة والإعلام في القيادة القطرية بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب واتحاد الصحفيين إقامة الملتقى الحواري القومي الذي يمضي الآن إلى دورته التاسعة حول موضوع شديد الأهمية هو «نحو خطاب عربي موحد» حول «التطرف»، وخصوصاً أن التطرف يعصف تماماً في كوكب الأرض كله وليس بجغرافيا محددة منه»، مشيراً إلى «ضرورة البحث عن خطاب يستهدف تفكيك هذا التطرف ويحاول أن يقرأه على نحو علمي رصينٍ، وأن يبحث في أسبابه ومرجعياته ويتوجه إلى عوامل القوة التي تمكن هذا الخطاب من مواجهة التطرف».
وأضاف الصالح إن الملتقى يشارك فيه ثلاثة من الباحثين العرب المشهود لهم بكفاءتهم المعرفية الثقافية العالية ودراستهم المتعلقة بالفكر القومي ومن ثم الفكر الذي يعنى بالتحولات والمنعطفات المهمة في التاريخ.
وبين عبد الحسين شعبان «أن موضوع مناقشة قضايا التطرف والتعصب والإرهاب هو مسألة مهمة في العالم أجمع فما بالك بالعالم العربي والإسلامي الذي ضربه الإرهاب بالصميم»، مضيفاً «إن هذا الأمر يستوجب من النخبة المثقفة أن تفتح حواراً معرفياً ثقافياً لمواجهة هذه الظاهرة، ورسم إستراتيجية قد تنفع صاحب القرار باتخاذ خطوات جدية لمواجهة هذه الظاهرة على الأقل من الجانب الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والديني وغير ذلك».
وبدوره كشف المحلل السياسي عفيف دلة «أن أهمية هذه الندوة تأتي من كون الملتقى هو ملتقى قومياً يستضيف شخصيات عربية عرفت بوقوفها إلى جاب قضية الشعب السوري في وجه الإرهاب، مضيفاً «إنها من حيث الواقع هي استكمال لسلسة من الملتقيات القومية وهذا إن دل على شيء يدل على أن الحراك الشعبي العربي اليوم هو حقيقة مواكب ليس فقط للحاصل في سورية إنما هو مستبق لمواقف بعض الحكومات العربية، ما يعكس حالة العجز والقصور التي تعتري حالة هذه الحكومات حقيقة فيما يتعلق باتخاذ الموقف المناسب مما يحصل على مستوى الأمة العربية والأخطار التي تتهدد هذه الأمة بمقدار ما تتهدد سورية كدولة تحمل لواء هذه الأمة في هذا الوقت وفي هذه المرحلة بالذات».
ونوهّ دلة بـ«أن هذه الملتقيات تعكس حالة الحراك الشعبي التي نراهن عليها ويجب أن نظل نراهن عليها لأنها هي سبيلنا حقيقةً في الوصول إلى أمة عربية متماسكة حقيقية وتتجاوز ذاك الخلل الحاصل والموجود في بنية النظام العربي الرسمي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن