ثقافة وفن

رسالة إنسانية أساسها الإيمان.. الحب.. الثقة.. الفرح … الأب إلياس زحلاوي.. ازرعوا مثلما أعطانا الرب أن نزرع في جوقة الفرح

| سوسن صيداوي

تمضي السنون والأيام، ومعها نكبر بخطواتنا المتلاحقة كي نحقق ما نرمي إليه من خلال مسيرتنا، رسالة كُتبت لنا، وإن شئنا أم أبينا، فلابدّ لنا من المسير متكاتفين مع كل ما لنا وما علينا، ومع كل ما هو محيط بنا، كي نحقق هذه الرسالة. ومن بيننا من يحمل الرسالة ويعتنقها ويعتاد محبتها وألفتها مطواعاً لأنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه، واليوم هو من تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، إنه الأب الياس زحلاوي الذي رغم سنيه المباركة التي ندعو بأن تكون مديدة، يتمسك بالطفولة وبفرحها وبالشباب ومرونته مبعداً عنه الشعور بالتقدم بالعمر قائلا: «أنا اليوم في الرابعة والثمانين. وأشعر أني بفضل الله طفل مع الأطفال، وشاب مع الشبان، وكهل مع الكهول. ولكني لا أشعر اليوم بأنني عجوز مع من تقدمت بهم السن، لأن اللـه منّ عليّ، بأن أكون في خدمة الأطفال والشبّان والشابّات، فملؤوا قلبي المحبة، والمحبة حفظت قلبي في فتوّة أشعرها أبدية».

فخر سوري

خلال المسيرة الطويلة للأب زحلاوي فيما قدمه من فكر وترجمة، وما أنتجه من تأليف في المسرح أو اهتمام كبير في الموسيقا، يفخر بعطائه الذي هو نتاج سوريُّ يعبّر عن حضارة الأبجدية العريقة التي مهما حلّ بها من ظروف قاسية تسعى بقهرها الجبروتي، فالظروف لن تكون قادرة مهما طالت على طمس الهوية السورية، أو تشويه عراقتها ورقيها، قائلاً: «أرفع الشكر لله، بكل صدق، لأنه خلقني في سورية، ولأنه ألهمني أن أهتمّ بالشبيبة والطفولة، وكنت كثيراً ما أتساءل ماذا عساني أقدّم لهذا الجيل، وهو يعيش في ضيق، يعيش في حيرة، يعيش في تأرجح بين الرسوخ في الوطن والهجرة، وكنت ألمس يوماً بعد يوم في أعماق أطفالنا وشبّاننا وشابّاتنا، طاقات هائلة، ألمسها وأتوقع لها تفجراً مبدعاً قوياً». مضيفاً «إياكم أن تستسلموا لليأس. إياكم أن تستسلموا للقنوط والاكتئاب. في أعماق سورية من جذورها حياة قوية، لم يشأ اللـه أن تكون مهد الأبجدية للا شيء، لم يشأ لها اللـه أن تكون منطلق الحضارات للا شيء».

طفولته
نشأ الأب إلياس زحلاوي في منطقة تطل على البساتين الأولى من الغوطة الغربية، في حارة اسمها «حارة الصليب» التي كانت تخترقها الأسواق الكثيرة من كل جانب، البيئة التي نشأ فيها كانت مثل أي رقعة سوريّة، متنوعة طائفياً، فأصحاب البساتين كانوا من المسلمين، وما هو طبيعي ومعتاد ومألوف في المجتمع السوري بشكل عام، هناك صداقة وحسن المعشر والتعايش يربط بكل من هو في المكان، فهؤلاء أصحاب البساتين كانوا على صداقة قوية بأهل الحارة المسيحيين، وبالتالي كان أولادهم من الأطفال يلعبون مع بعضهم، وبينهم الأب زحلاوي، إما بكرة القدم التي كانت عبارة عن كتلة محشوة بالخرق، أو بكرة قدم حقيقية تالفة يتم حشوها بالخرق، وأيضاً بلعبة الطميمة التي كانت الأشجار الكثيفة بالبساتين تسّهل اللعب والاستمتاع بها.

في المنزل والعائلة
البيت هو الأساس لتكوين الشخصية للإنسان، ومنه ينطلق المرء كي يواصل هذا التكوين متأثراً بما يمرّ به من ظروف وأحداث وأشخاص، فمن المدرسة إلى الجامعة والعمل وغيره الكثير، وبالعودة إلى البيت الذي هو أول الأوطان ومنه يكبر الوطن بالشعور بالمحبة والإيمان والتضحية والعطاء وغيرها من المعاني والقيم الإيجابية، من منزله المبني على أسس الإيمان انطلق الأب زحلاوي، الإيمان والمحبة والتضحية المعطاء كانت ركائز أساسية في تكوين شخصيته، فوالدته كانت تستمدّ قوتها من عطائها وحبها الكبير لأفراد عائلتها، فلم تكل ولا حتى تمل من خدمة والدتها طريحة الفراش لسنوات عدة، وكذلك لم يضنها تزامن مرض الأم المتقدمة في العمر مع مرض أخته الصغرى التي أصيبت بالتهاب في السحايا وَضَعَها في حال قصوى من الخطر مدة ثلاثة أشهر، وأخيه الأكبر الذي أصيب بحمّى التيفوئيد مدة شهرين، هذا كلّه متزامنا مع الاهتمام بشؤون رب الأسرة والأخوات الثلاث الأُخر، والخال المقيم معهم، ليس هذا فقط لأنها كانت معنية بالكثير من الواجبات حتى التي خارج المنزل مثل غسل كل ما يحمله الأب لها من محله الخاص بحلاقة الرجال بشكل يومي، وعندما يرخي الليل بسدوله تجدها تستكين مع نفسها مسلّمة أناملها لتطريز الأقمشة الكبيرة والصغيرة لتشارك في نفقات المنزل، كل ذلك العطاء الممزوج بحب العمل غير المؤقت بزمن أو واجب، كان متكلاً ومستنداً بشكل دائم على إيمان كبير وذكر دائم للرب والسيدة العذراء، إذا التواضع مع المحبة والإيمان كانت بذوراً نمت في نفس الأب الياس زحلاوي وقلبه ومعها كبُر كي يخدم رسالته التي اختارها في مسيرة حياته.

طفولة مسؤولة
نعود إلى فكرة المناخ الاجتماعي الذي يحيط بالمرء الذي منه ينطلق في حياته، فالانتباه للطفل منذ الصغر وملء فراغه بأمور لها أهميتها في تطوير الشخصية مع حس المسؤولية، كانت أيضاً من الأساسيات التي نمت مع الأب الياس في محيطه العائلي، ففي العطلة الصيفية كان أهله، ولملء أوقات فراغه، يدفعون لصاحب المحل الأجرة كي ينقده إياها في آخر الأسبوع على أنها من صاحب المحل، بهدف أن يمرّ الوقت وتتم الاستفادة منه بتعلّم مهنة ما أو حرفة معينة، وهكذا تنّقل بين العام والآخر في عدة أمور مهنية مثل النجارة أو حلاقة السيدات، الأمر الذي كشف له أهمية العمل وقدسيته في حياة الإنسان وضرورته لكسب لقمة العيش.

في المدرسة
كان الأب زحلاوي كما كل الأطفال يستهويه اللعب ويبعده عن المدرسة والدروس ولكنه كان متميزا بقدرته على الاستيعاب السريع وشعوره بالمسؤولية لمساندة زملائه ممن يعنّفون من زملائهم الآخرين، إضافة إلى شخصيته القيادية التي مكنته من جمع أترابه من الأطفال من حوله، وكان درس في دمشق حتى سن الثانية عشرة، ثم سافر إلى القدس إلى مدرسة القديسة حنة بهدف أن يُصبح كاهناً، بعدها بعام عاد مع جميع طلاب المدرسة إلى مدرسة في لبنان، في بلدة رياق بالقرب من زحلة، حيث تابع الدراسة الثانوية حتى شهادة البكالوريا وفق النظام اللبناني والفرنسي معاً، وفي عام 1952 انتقل إلى القدس لثلاث سنوات، وكان قرر نهائياً الاستمرار في اختيار الكهنوت، وفي عام 1955 سافر إلى فرنسا.

الكاهن ودمشق
عندما سافر الأب زحلاوي إلى فرنسا كان الحنين إلى دمشق يمزّق قلبه، ورغم الشوق الحارق للفؤاد، إلا أن الاستمرار والرغبة في التعلّم والدراسة هما اللذان كانا يدفعانه لتمالك نفسه ومتابعة ما يصبو إليه من علم، وبحسب الأب إلياس زحلاوي كان عُرِضَ عليه البقاء في فرنسا لكنه قرر العودة إلى دمشق، وارتسم فيها كاهناً عام 1959، وعُيِّن في لبنان لمدة ثلاث سنوات ولكنه قرر الاستقالة، وفي العام 1962 انتقل إلى دمشق، وقام بالتدريس في بعض المدارس وهكذا كان حتى عام 1966 بعدها أصيب بمرضٍ في حنجرته منعه من متابعة التدريس.
وحتى اليوم يقف الأب الياس زحلاوي معانقاً كهنوته الذي اختاره رسالة مؤنسنة للجميع، ولا فرق في عطائها بين الإنسان المسيحي والمسلم، مقدماً نفسه خادماً للمحبة والإنسانية، ومختاراً الكهنوت ذاته لحيوات أخرى قائلاً:«أنا في منتهى السعادة، ولو أعطيت الحياة كرة جديدة لاخترت الكهنوت طريقاً جديداً».

في المسرح
تابع الأب زحلاوي اهتمامه بالمسرح الذي بدأ في المرحلة الثانوية، حيث كان يؤلِّف ويمثِّل، وهذا الأمر كان أيضاً حين وجوده في القدس أثناء متابعته للدراسة الفلسفية، حيث كان يمثل ويؤلف مع زملائه ويطالِع أيضاً، معتبراً «المسرح يعني لي شيئاً كثيراً فيكفي وقع الكلمة في نفسك وفي السامع وأصداء الكلمة»، وعندما عاد إلى دمشق راقب ما كان يحدث في نطاق النهضة المسرحية في الستينيات، وبدايات مسرحي الحمراء والقباني، متابعاً في حديث له مع «الوطن»: فقدت صوتي، وآلمني الأمر كثيرا. وكنت في مطلع عمري كاهناً. وفي الكنيسة، الصوت له أهمية كبيرة في إقامة الصلوات، لأنه يترك تأثيرا في الناس، وخصوصاً في الصلاة. فمثلا عندما تستمع إلى تلاوة من القرآن الكريم، بصوت عبد الباسط أو محمد صديق المنشاوي، تُذهل وتُسحر. أنا فقدت صوتي فجأة إثر مرض. ربما الأطباء لم يعرفوا كيف يعالجونه. ربما أنا أسأت التصرف، لأنني أصبت بفترة كنت أدرب فيها الجوقة خلال أسبوع الآلام، وخلال أسبوع الآلام الاحتفالات رائعة ولكنها تقتضي مجهودا جبارا، وضغطت كثيراً على الحبال الصوتية. وبعد أسبوع الآلام والفصح، اكتشفت أنني فقدت الصوت. كنت في الثالثة والثلاثين من عمري. فشعرت بأن كل شيء قد انهار، حاولت الخروج مما أصابني بالطب وبالصلاة، وحاولت بالقراءة. ولكن المحاولة الأجدى، كانت وجود بعض الأصدقاء حولي، إذ كانوا يمدونني دائماً بحضورهم وصمتهم وصلاتهم وبمحبتهم. ولقد وُجد حولي أيضاً إنسان كان متميزا، هو المخرج «سمير سلمون»، الذي شجعني على كتابة المسرح، وأعطاني نصاً لكاهن كتبه من زمان، وطلب مني أن أعدّه. قرأت النص وأعددته، فلاقى نجاحاً. هذا النجاح شكّل حافزا لدي. وكان أن مضيت إلى صافيتا، وفيها كاهن كبير في السن، كان بمنزلة أب لي، هو الأب «يوسف صقر». وقد توفي عام 1985. وحتى يومنا هذا الكل يعرف في صافيتا من الأب «يوسف صقر». فهو إنسان لا مثيل له. فالجميع كانوا يحبونه ويثقون به. كان عملاقا بجسده وعملاقا بقلبه. فكنت أمضي عنده بضعة أيام في خلوة كاملة، أكتب النص المسرحي وكأنني أسمع الممثلين وأراهم، ثم أعود إلى دمشق. وكنت أسلّم النص لـ«سمير سلمون». وكان سمير يجمع حوله عدداً من الشبان الثانويين أو الجامعيين، ممّن لم يكونوا قد صعدوا خشبة المسرح. وكان سمير يستقبلهم في غرفته الصغيرة، ويدربهم على النطق واللفظ السليم والحركات بطواعية ومجانية وبصبر هائل، والغريب بالأمر أن هؤلاء الشبان والشابات كانوا دائماً يحصدون الجوائز الأولى. من ذلك أن سمير، خلال إعداده لمسرحية «المدينة المصلوبة» طلب من شاب اسمه «سمير جبارة»، أن يأتي إلي في البطركية ويجلس في مكتبي صامتا ويراقبني، على حين كنت أنا أنصرف إلى شؤوني. وعندما مثّل«سمير جبارة»دور الأب عيسى في المسرحية، كان الناس يقولون«هذا أبونا إلياس». وهكذا تابعت العمل في سائر المسرحيات».

تأسيسه لجوقة الفرح
تعتبر جوقة الفرح من أهم ما قدّمه الأب زحلاوي من أعمال في مجال الشبيبة والكورالات، لأنها تجاوزت جدران الكنيسة لتلتقي بالإنسان مع أخيه الإنسان بفيلق واحد هو الفرح الممزوج بلحن الموسيقا، حاضنة الجوقة بفرحها، الطفولة إلى الكهولة، ومن كل الأعمار وكل الطبقات الصوتية، منطلقة من الكنيسة إلى الوطن سورية، ومنها إلى الدول العربية، ومن ثم إلى العالم، مؤكدة بما تقدمه أن سورية هي بلد الإخاء ونموذج حقيقي للحوار بين الأديان، واللقاء المسيحي والإسلامي الحقيقي، المغاير تماماً لحقيقة ما يُبث إعلامياً بطريقة مغرضة، واليوم منتسب للجوقة نحو 500 منشد أعمارهم متراوحة بين 7 سنوات و75 سنة، وتتألف حالياً من خمس جوقات، يقوم بالإشرف عليها فنياً وإدارياً شبان وشابات من الجوقة ذاتها، وكان تأسيسها عام 1977 في كنيسة سيدة دمشق، ويقول الأب زحلاوي في هذا الصدد «ذات مساء في مطلع عام 1962، استمعت لجوقة على مسرح سينما الزهراء بدمشق، لأطفال فرنسيين يُعرفون باسم «المغنون الصغار ذوو الصلبان الخشبية». كانوا مجموعةً لا تتجاوز الأربعين طفلاً فيما اذكر، ولكن إنشادهم كان مدهشاً. تساءلت:لم لا يكون لنا مثل هذه الجوقة؟هل أطفالنا دونهم موهبة وعطاءً؟وخرجت من هذا التساؤل بضرورة إنشاء جوقة للأطفال، واستقرّت الفكرة في ذهني ونامت قليلا. يوم عُيّنت كاهنا في كنيسة سيدة دمشق، في تموز عام 1977 عادت الفكرة إلى الحراك. وفي مطلع العام الدراسي، استأذنت الراهبات المسؤولات عن مدرسة البيزنسون(الرعاية الخاصة) من أجل فحص أصوات الأطفال. اخترت أطفالاً بين الرابعة والسادسة. كانوا(65) طفلاً كتبت رسالة لذويهم. جاءني(55) جواباً بالإيجاب. وبدأت التدريب مع الأطفال. لم أغرهم بشيء، حتى ولا بقطعة حلوى. منحتهم ثقتي ومحبتي وابتسامتي، نمت الجوقة»، ويتابع الأب زحلاوي«.. كانت الثقة، والثقة فقط تنبع من الحب، والحب ينبع من الإيمان. كنت مؤمناً بأن في أعماق كلّ طفل من أطفالنا كنوزاً تنتظر من يوقظها ومن يطلقها، وتطورت الجوقة ولكننا كنا لا نزال أسرى الكنيسة، حتى جاءتني السيدة العذراء في بيتها في الصوفانية بذلك العملاق الكبير وديع الصافي». مضيفاً«أطفالنا رسالة سورية بامتياز، حملناها بإيمان، بفرح، بحب، بإباء، وكنا نقول لهم الكلمة، قبل كل أمسية والتي لابدّ لنا أن نقولها لهم:أنتم تظلموننا، إعلامكم يكذّب عليكم، أرسلتم لنا قتلة وتقتلون بلادنا، ولكن ما تشاهدون من هؤلاء الأطفال، هو الشهادة على أننا باقون. باقون أحياء أقوياء، مؤمنون». كما أضاف «جوقة الفرح رسالة. رسالة إيمان. رسالة حب. رسالة ثقة. بدأنا مع الأطفال من غير شيء. لدينا من الأطفال ومن الشبان والشابات الملايين، ازرعوا مثلما أعطانا الرب أن نزرع في جوقة الفرح. ازرعوا الإيمان. ازرعوا الثقة. ازرعوا الحب. ازرعوا الاحترام. ازرعوا الفرح، فيقابلكم فرح لا تحلمون به، ومحبة لا تحلمون بها، وفتوّة لا تحلمون بها، وقوة لا تحلمون بها، وتحدّ لا تحلمون به. هؤلاء الأطفال والشبّان والشابّات زُرعوا نبتة صغيرة زُرعوا في غوطة دمشق، فباتوا غابة. غابة يملؤون دمشق. غابة يملؤون سورية. يملؤون العالم كلّه، بأصواتهم، بإيمانهم، بفرحهم، بشجاعتهم، وبحضورهم الذي هو بحد ذاته رسالة كبيرة».
وشدد الأب الياس زحلاوي على أهمية التربية وكم هي المحبة والرعاية مع الحنان وحسن التوجيه أمور مطلوبة في تربية أطفالنا وإعداد جيل قادر على بناء سورية وتقديمها للعالم بالصورة التي تليق بها قائلا «في أطفالنا طاقات هائلة لا تحتاج إلا لشيء واحد، هو أن تُحب، وتُحترم، وتُشجّع، وتُطلق. وعندها سيغمركم فرح تحلمون به وما كنتم تتصورونه».

جوقة الفرح ووديع الصافي
في نهاية عام 1982 كانت ظاهرة الصوفانية، وكان لبعض الشبّان والشابّات من جوقة الفرح الفضل في إقحام الأب زحلاوي في هذه الظاهرة، وحول اللقاء بين جوقة الفرح والأب زحلاوي مع العملاق الراحل وديع الصافي قال الأب زحلاوي «في آخر يوم من عام 1984، وفي أول يوم من عام 1985، التقيته وعرضت عليه مشروعاً، يقوم على اختيار نصوص عربية، على أن يضع لها ألحاناً شرقية عربية، بعيدة عن كل ما هو لحن كنسي معروف، كي تشكل هذه الألحان الجديدة، جسراً روحياً بين أبناء الوطن الواحد من مسيحيين ومسلمين، وتجاوب وديع الصافي بأريحية لا حدود لها، وبحب وبتواضع وبمجانية. وظلّ حتى وفاته يمدّنا بألحان رائعة، بفضل وديع الصافي خرجنا من جدران الكنيسة، ولم نخرج بسهولة، ظهرت أمامنا عقبات كبيرة وتخطيناها، وشيئاً فشيئاً فتح لنا اللـه أمامنا دروب العالم بألحان وديع الصافي، بدءاً من مجتمعنا العربي في سورية وخارج سورية، كانت ألحانه طريقاً جديداً للروح الشرقية التي يرسُخ فيها الإيمان بكل إنسان في هذا الشرق، ولذلك فُتحت أمامنا الأبواب بدءاً من التلفزيون العربي السوري».

في الكلمة والتأليف
برع الأب الياس زحلاوي في الترجمة والتأليف وله العديد من المؤلفات سواء باللغة الفرنسية أم العربية ومن مؤلفاته باللغة العربية:
1- عرب مسيحيون أو مولد إيمان، مطبعة الأديب، دمشق، 1969.
2- حول الإنجيل وإنجيل برنابا، المطبعة البولسية، لبنان، 1971.
3- المدينة المصلوبة (مسرحية)، منشورات وزارة الثقافة، 1973.
4- الطريق إلى كوجو(مسرحية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1976.
5- المجتمع والعنف (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1976.
6- مجد اللـه هو الإنسان الحي، بالتعاون مع أفراد أسرة الرعية الجامعية، دمشق، 1977.
7- يقينان وسؤالان، منشورات جيش التحرير الفلسطيني، 1979.
8- تاريخ المسرح في خمسة أجزاء (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1981.
9- فكر هيجل السياسي (مترجم)، منشورات وزارة الثقافة، 1981.
10- وجبة الأباطرة(مسرحية)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1985.
11- شهود يهوه، من أين وإلى أين؟مطبعة دار العلم، دمشق، 1991.
12- الصوفانية (1982–1990)، مطبعة الحرية (لبنان)، 1991.
13- اذكروا الله(ترجمه عن الفرنسية أديب مصلح)، الطبعة البولسية، 1995.
14- سيدة الصوفانية، القاهرة، 1997.
15- ومن الكلمات بعضها، المطبعة البولسية، 1997.
16- من أجل فلسطين، دار عطية، بيروت، 2004.
17- هروبي الأخير مع يسوع المسيح(مترجم عن الفرنسية)، المطبعة البولسية، 2004.
18- أمن أجل فلسطين وحدها؟منشورات مركز الغد العربي للدراسات، 2006.
19- الصوفانية خلال 25 عاماً(ثلاثة مجلدات)، دار المجد للطباعة والنشر، 2009.

الصوفانية 1982-1990
نقلا عما أدلى به المفكر أديب مصلح حول هذا الكتاب، بأنه نُشر في الغرب بعض الكتب عن الصوفانية، بيد أن الكتاب الأول الذي يصدر عنها بالعربية، يتميّز بقيمة فريدة، لأن كاتبه شاهد أول مباشر، رأى بعينيه ما لا قبَلَ لعلم على تفسيره، وسمع بأذنيه نداء السماء، وأتاح له استقراؤه المستمر للأحداث طوال ثماني سنوات، أن يمسك بكل حلقات سلسلتها، ويدرك سموها الإلهي، ويتيقن من صدق أبطالها ونياتهم، ويؤمن بها بكل وتر من أوتار نفسه..
كتابان في سفر واحد:أحدهما توثيق لمبادرة سماوية فذّة سيخلدها التاريخ، وثانيهما فعل إيمان ونشيد فرح وقصيدة شكر للأم القديسة التي اختارت منزلا في دمشقنا الحبيبة.

قد يكون لي ما أقوله
كتاب عنونه الأب إلياس زحلاوي بـ«قد يكون لي ما أقوله»، وبحسب ما كتب غسان الشامي في بداية الكتاب وبعد الإهداء، هذا أمر غريب جداً على رجل بمثل قامة الأب الياس زحلاوي، الذي عاش مدناً وقرى وتعليماً وتدريساً ووعظاً وعملاً وتربيةً، وفي الظروف التأسيسية، في الآمال والخيبات، نعم لديه الكثير مما لا تتسع له مساحة ورقية في كتاب بدفتين، ولكن ما كتبه الأب زحلاوي في المقدمة وإليكم مقتطف صغير منه:
سأكتب، وفاءً مني «للكلمة»، ربّي!
سأكتب، وفاءً مني لذاتي!
سأكتب، وفاءً مني لوطني الصغير… الكبير… الكبير… سورية!
سأكتب، وفاءً مني لوطني الأكبر، الإنسانية جمعاء، وقد باتت سورية، سوريّتي، أجل، مفتاح وجود كلّ إنسان فيها!

أجل، سأكتب
ولتكن «كلمتي»، ذرّة تُلقى في بحار الأرض الواسعة.
سأكتب، ولتكن «كلمتي»، نقطة في حروف من كان وحده، ذات يوم، «الكلمة»، في فلسطين المصلوبة منذ سبعين عاماً، على وجه الدنيا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن