رسالة روسيا المزدوجة
| بيروت – رفعت البدوي
على وقع التخبط الذي أصاب ركائز الإدارة الأميركية النابع من هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أجهزة الاستخبارات والإعلام الأميركية ومحاولة بعض أجهزة الدولة العميقة في أميركا تشويه صورة الرئيس ترامب من خلال توجيه الاتهامات لبعض رموز إدارته بالقيام باتصالات مع روسيا قبل وخلال الحملة الانتخابية أسهم في عدم تمكين الرئيس الأميركي دونالد ترامب من وضع إستراتيجية جديدة لسياسة بلاده، ما أوقع أميركا في حال من التخبط الداخلي مترافق مع تفلت لأجهزة الحكومة العميقة بوضع خطط من شأنها توريط إدارة ترامب عسكرياً في نزاعات المنطقة للنيل من ترامب وإفشال إدارته.
وأمام هذا الواقع شهدت روسيا لقاءات بالغة الأهمية من شأنها أن توضح المشهد في المنطقة سياسياً وعسكرياً في المرحلة القادمة، الاجتماع الأول كان مع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي نتنياهو والثاني مع الرئيس التركي رجب أردوغان واللافت أن سورية كانت المحور الرئيسي في تلك اللقاءات.
إلى موسكو وصل نتنياهو يرافقه عدد من كبار الضباط الإسرائيليين ورؤساء مراكز دراسات إسرائيلية بهدف الترويج لفكرة وجود خطر إيراني ونيات إيرانية تاريخية في القضاء على إسرائيل.
جواب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان صادماً ما شكل صفعة قوية على وجه نتنياهو الذي استقبل الصفعة وكأن ماء بارداً سقط عليه في عز البرد الروسي القارس ومما قاله بوتين بالحرف: «دعك من هذه الترهات والأوهام لأن مثل هذه القصص تجاوزها التاريخ والزمن وصارت خلفنا، يجب أن نعمل على حل القضايا الشائكة في العالم وأزمات المنطقة لأننا نعيش عالماً جديداً ومتطوراً بشكل سريع وأن نسعى إلى تحقيق مستقبل أفضل».
بوتين كان يقول لنتنياهو اذهب وابحث عن حل يقي إسرائيل شر الزوال واجنح نحو السلم قبل فوات الأوان وتفقد معها إسرائيل أي نوع من السلام.
أما اللقاء الثاني في موسكو فكان بين فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب أردوغان الذي لا يقل أهمية عن اللقاء الأول نظراً للدور التركي المتذبذب الذي ساد في الآونة الأخيرة.
اللافت أن الوفد التركي إضافة إلى رجب أردوغان ضم كلاً من وزير الخارجية، ووزير الدفاع فكري إيشيك ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان. في محاولة واضحة تهدف لإقناع روسيا بإشراك تركيا في معركة تحرير الرقة للحصول على كعكة وازنة في أي تسوية قادمة باتت ملامحها تلوح في أفق أستانا.
في المؤتمر الصحفي الذي عقد بين الرئيسين بوتين وأردوغان تقصّد بوتين ذكر إيران ولم يكن ذلك مجرد مصادفة أو عن عبث، بل إن بوتين تقصد بذلك تذكير أردوغان أن إيران وروسيا شريكان في أي تسوية وإن على أردوغان أن يعمل تحت سقف هذه الشراكة وإلا فإن على تركيا أن تختار بين التنسيق والبقاء تحت العباءة الروسية وتنفيذ ما اتفق عليه من رسم خطوط مواجهة الإرهاب وضرورة التعاون مع الشريك الإيراني، وإما تحمّل تبعات الخروج من الشراكة اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً.
صحيح أن اتفاقات اقتصادية عدة جرى إبرامها بين روسيا وتركيا إلا أنها ستبقى معلقة حتى تتأكد روسيا من تهذيب أردوغان وضبط تفلته، «لاحظوا بيان الخارجية التركية اليوم الذي أدان فيه تفجيرات دمشق».
تأكيد الرئيس الروسي بوتين وحدة وسلامة أراضي سورية معتبراً أن ذلك يعتبر شرطاً أساسياً لتسوية الأزمة في سوريه له دلالات مهمة.
كلام بوتين ذو معان صلبة وعميقة كلام واضح وموجه لأردوغان ومن قبله لنتنياهو معناه لا حزام كردياً ولا مناطق آمنة تحت سيطرة تركيا في الشمال السوري ولا حزام أمنياً بإشراف العدو الإسرائيلي في الجنوب السوري.
الخارجية السورية رفعت للأمم المتحدة شكوى ضد الاعتداء التركي السافر باستباحة الأرض السورية جاء بالتزامن مع كلام بوتين ليتناغم مع مضمون الرسالة الروسية المزدوجة لكل من نتنياهو وأردوغان.
إعلان قيادة الأركان الروسية بأن الجيش العربي السوري حقق انتصارات مهمة بعد تحرير واستعادة مناطق واسعة من الإرهاب وبلوغه بلدة منبج وضفاف نهر الفرات لأول مرة منذ اندلاع الأزمة في الشمال السوري قطع الطريق أمام تحقيق الحلم التركي ما أعطى الجيش العربي السوري دفعاً قوياً ورسم معادلة جديدة من شأنها إجبار أردوغان لإعادة حساباته وأحلامه ودفعه نحو خيارات أحلاها سيكون علقماً، إما القبول بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أستانا بالاشتراك مع الروسي والإيراني ويكون شريكاً وإما العودة للارتماء في أحضان إدارة دونالد ترامب المربكة مع حلفائها المستنزفين ما يجعل أردوغان شخصياً مجبراً على دفع تكاليف خياراته ومآلات تحولاته إضافة إلى أثمان عنجهيته وتلاعبه وغدره.