كيف فرضت روسيا بوتين نفسها بقوة على الساحة الدولية!
| د. قحطان السيوفي
منذ عشرة أعوام أعلن الرئيس بوتين أن نظام ما بعد الحرب الباردة زائف ومصطنع. الرئيس الروسي، الذي كان واقفاً أمام المؤسسة العسكرية والدبلوماسية الغربية في مؤتمر الأمن في ميونيخ، اتّهم الولايات المتحدة بإغراق العالم في الفوضى وإثارة الحروب، والتدخل في شؤون الدول، وتجاهل القانون الدولي. يومها قال بعض المسؤولين والمحللين في الغرب عن الرئيس بوتين إنه القيصر الروسي الجديد. جدول أعمال مؤتمر الأمن في ميونيخ هذا العام يتساءل ما إذا كان الغرب ينهار؟ بعد أن عملت صناديق الاقتراع، على إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة.
روسيا الضحية المُهمّشة التي وصفها بوتين في عام 2007 انتهت، وحل محلّها دولة فرضت نفسها بقوة على الساحة الدولية.. يقول (يوجين رومر) مدير برنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة كارنيجي في واشنطن إن موسكو «ثبّتت نفسها في وضع منافس للنظام الدولي الليبرالي العالمي الذي تدعمه وتُعزّزه واشنطن… كان المسؤولون الروس متفائلين من أن الولايات المتحدة برئاسة ترامب يُمكن أن تُعيد بناء العلاقات مع موسكو، لكنهم أصبحوا حذرين، بل أحياناً متشككين؛ بعد التناقض في تصريحات الساسة الأميركيين، وعدم وجود اتصال على مستوى عالٍ مع الرئيس الأميركي… حتى ترتيب المحادثات بين تيلرسون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على هامش قمة مجموعة العشرين في بون، تم بصعوبة…. تقول (ناتاليا ناروشنيتسكايا) الدبلوماسية وعضو البرلمان السابق «انتهى العصر الذهبي للنظام الدولي الليبرالي». إلا أن الغرب حاول البحث عن بداية جديدة في العلاقات مع روسيا. حرب جورجيا كانت الطلقة الأولى، في عام 2014، قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم، وأدى موضوع أوكرانيا إلى فرض الغرب الأميركي الأوروبي العقوبات الاقتصادية ورد بوتين بحزم بالتدخّل في سورية بناء على طلب الدولة السورية للمساعدة في محاربة الإرهاب… واتهمت روسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية، واستقال مستشار الأمن القومي بعد أقل من شهر من تنصيب ترامب، بتهمة التواصل مع موسكو… في اجتماع نظّمته وكالة الأنباء الرسمية روسيا سيجودنيا في الشهر الماضي، قال محللون سياسيون: إنهم يعتقدون أن موسكو وواشنطن يُمكن أن يتوصّلا إلى (صفقة) من خلال احترام مجالات النفوذ لبعضهما، يُشير بعض خبراء الإستراتيجية الروسية إلى أن حل الأزمة الأوكرانية والتعاون في المعركة ضد الإرهاب العالمي، يُمكن أن يُصبح أدوات للمساومة في مثل هذه الصفقة، مسؤول كبير في السياسة الخارجية الروسية يقول: إن موقف إدارة ترامب تجاه الذين تحمّلوا مسؤولية عدم الوفاء باتفاق مينسك لعام 2015، فيما يتعلق بأوكرانيا يُمكن أن يُساعد بعزل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في موقفها المتشدد ضد روسيا.
(أليكسي شيزناكوف) رئيس «مركز السياسات الحالية»، وهو مؤسسة فكرية في موسكو، يقول إنه يتوقع أن تُساهم الانتخابات الفرنسية هذا الربيع في هذا التحوّل، لأن المرشحين اليمينيين هم أكثر تعاطفاً مع روسيا بوتين يُشبّه السياسة الخارجية والتحركات الأمنية في موسكو (بدب سيبيري ليست لديه رغبة بمغادرة موطنه، لكن ذلك الموطن، أو المنطقة التي ترى روسيا مصالحها الوطنية فيها، يبدو أنه يمتد إلى حد هائل خارج حدود البلاد) بالمقابل أحيت موسكو العلاقات مع دول شرق أوسطية وقدّمت روسيا نفسها شريكاً في حوار بين الدول الإقليمية ذات المصالح المتناقضة، وبالتالي بناء شبكة تتضمن تركيا ومصر وإيران والعراق وحتى السعودية… في رأي موسكو؛ لن تكون أي دولة قادرة على تجاوز موسكو عند حل الصراعات الإقليمية. فرنسا وإيطاليا تلجأان إلى روسيا للمساعدة في تسوية سياسية لليبيا… في الوقت نفسه، تحرّكت موسكو لبناء علاقات مع بلدان رائدة في آسيا، المنطقة الأسرع نمواً، إلى جانب علاقتها الوثيقة مع الصين، تبني روسيا الآن علاقات مع فيتنام والهند، في منافسة مع الولايات المتحدة، وتدعم الرئيس الفلبيني الشعبوي.
وبوتين يستغل رغبة رئيس الوزراء الياباني (آبي) بتسوية النزاع الإقليمي بين البلدين، لجذب طوكيو الحليف الأهم لواشنطن في آسيا إلى مداره، وهي مسألة صعبة… روسيا اليوم تستطيع المساعدة للتوسط في تسوية نزاعات في بحر الصين الجنوبي، أو التوترات بين الصين واليابان.
عملياً من الأولويات الرئيسة للكرملين إعادة روسيا كلاعب دولي مهم، محلياً هناك أغلبية كبيرة تدعم بقوة سياسات بوتين الخارجية التي تريد أن تفرض نفسها.
أثبت الرئيس بوتين بأنه تكتيكي ماهر في استغلال الفرص حول العالم بتكلفة محدودة…. روسيا اليوم أقدر من أي وقت مضى لتأكيد حضورها القوي على طاولة الاجتماع والحصول على تصويت وحق النقض…. يرى المحللون: «إذا كان الافتراض بأن النظام الليبرالي العالمي سوف ينهار، فربما تكون هناك فرص أكبر لروسيا للمزيد من الحضور…. على أن هذا ليس هو أرجح السيناريوهات، على اعتبار أن البلدان التي تتحدى النظام القديم، مثل الصين، تقوم بنسخ هياكل ومؤسسات ذلك النظام… ومع الحضور الروسي القوي، من المرجح أن يصار إلى إصلاح النظام الدولي ، بدلاً من انهياره مع التركيز على التنمية وليس على الأمن فقط.