قضايا وآراء

منطقة عازلة ومحكمة دولية: هل باتت الكرة بملعب القيادة السورية؟

فرنسا- فراس عزيز ديب

 

في أواخر شهر آب من عام 2002، أجرت شبكة «سي. إن. إن» الأميركية لقاء مع ملياردير خليجي يحمل إضافة لجنسية «آل سعود» الجنسية اللبنانية، سألته فيها عن حقيقة سعيه للحصول على منصب رئيس وزراء لبنان. أجاب يومها: إن هذه النظرية مطروحة لأن أشخاصاً في لبنان يرغبون في رؤيتي رئيساً للوزراء.
في عام 2005 قُتل رفيق الحريري، هناك من رأى أن هذا الأمر ما هو إلا بداية لتعبيد الطريق نحو الطموح الاقتصادي لهذا الملياردير من خلال إزاحة منافسه القوي الذي يلتهم حصته برضى أمراء «آل سعود» في العطاءات التجارية، وتسهيل الطريق أمامه نحو الوصول إلى ما يصبو إليه في السياسة.
من جهتها لا يبدو أن «إسرائيل» كانت ستمانع بتجديد التركيبة السياسية اللبنانية لترفع الغطاء عن المقاومة وتمهد لإخراج الجيش السوري من لبنان.
يومها تساءل البعض: كيف يمكن لشخص يحمل جنسية «آل سعود» أن يصبح رئيساً لوزراء لبنان، فكان الجواب واضحاً: ألم يكن رفيق الحريري يحمل جنسية «آل سعود»، ويمثل مصالح الأسرة الحاكمة في لبنان؟ ما الفرق؟
كان هناك فيما يبدو من يريد استقراء الأزمة التي ستندلع يوماً على وراثة عرش «آل سعود»، تحديداً أن هذا الملياردير يمثل ما يمثله من «خزينة استثمار» لأموال الأمراء، فكان البحث عن حل يستوعب أي إمكانية لحدوث خلافات للأسرة الحاكمة سابق لأي مصالح، لأن المصلحة الأساسية تكمن في بقاء «آل سعود» أطول فتره من الزمن.
اليوم عاد ملف المحكمة الدولية ليطفو على السطح، وعلى طريقة «وليد جنبلاط» الذي لا يستشهد بأكاذيبه إلا بالأموات حاولوا من جديد تمرير كذبة متعلقة باللواء الراحل «رستم غزالة»، فهل إن إعادة بث الدماء في المحكمة الدولية هدفها تفعيل الضغوط السياسية كما العسكرية على القيادة السورية؟
كما قررت الولايات المتحدة أن «أبا بكر البغدادي» أصيب في عموده الفقري، قررت أن مملكة «آل سعود» بحاجة إلى تدعيم في عمودها الفقري. يبالغ من يدّعي أن هذه التغييرات مفاجئة، تحديداً أن فكرة وصول محمد بن نايف إلى رأس الحكم كانت الهدف الأساس، بل يمكننا القول منذ هذه اللحظة إنه بات يقود المملكة فعلياً، لأن ما هو أهم من كل قرارات التعيين والإقالة، هو قرار دمج «ديواني الملك وولي العهد»، ما يُمكِّن ابن نايف أن يكون على اطلاع كامل بكل الحيثيات، هذا إن لم نقل القدرة على البت في الكثير من الأمور أيضاً.
بالشكل العام، لا يهم من يأتي ومن يرحل. هذه المسرحية ستطول فصولها، لأن من يظن أن هذه التغييرات ستطول سياسة «آل سعود» ونهجهم فهو مخطئ، إنه «نهج الملوك» الذي تحدثنا عنه يوماً، والذي بات عند أي شخص سيتولى كرسي العرش هو نهج للدفاع عن البقاء. ومن ثم لن يألو جهداً للدفاع عما تبقى من أسباب وجودهم حتى لو اضطروا في نهاية الأمر للاعتراف بأن صاحب حساب «مجتهد» الذي يكشف تفاصيل عن الأسرة الحاكمة ما هو إلا الشخص ذاته الذي حاول يوماً الظفر بلقب رئيس وزراء لبنان، فهل إن تصدير أزمتهم الداخلية -التي لم تعد صامتة- هو بالمزيد من إشعال الحرائق في المحيط؟
رفض مجلس الأمن بالأمس مشروع «قرار إنساني» حول اليمن قدّمه الروس.
أصرّ «آل سعود» على أن أي قرار أو فك للحصار لن يمر إلا بعد موافقة من تُحاربهم على الذهاب إلى الرياض للبدء بحوار سياسي. هذه العقلية البدائية تجعلهم يصرون على الخروج بمظهر المنتصر انطلاقاً من استسلام الخصم وذهابه إلى الرياض. لكن اللافت أنه وفي الوقت ذاته الذي كان فيه مجلس الأمن يذعن لأموال «آل سعود» برفض مشروع القرار، كانت مقاطع الفيديو تنتشر لقيام عناصر من «داعش اليمن» بذبح عدد من الجنود اليمنيين في محافظة «شبوة»، فلماذا لا يخشى «آل سعود» انهيار الوضع في اليمن وسيطرة داعش على أجزاء واسعة منه؟ وبطريقة أخرى إن كانوا يخشون ما يسمونه «النفوذ الإيراني» الذي هو بالنهاية سياسي، فلماذا لا يخشون النفوذ الداعشي؟
هذا الأمر، ينطبق على مملكة «شرقي نهر الأردن» التي باتت «تجارياً» شبه معزولة، باستثناء ما تقتات به حكومتها من تبادل تجاري مع الكيان الصهيوني.
سيطر حلفاء استخبارات الملك من القاعدة على المعابر مع سورية، قد يتمكن الداعمون من استرجاع البضائع العالقة لتجار أردنيين في المعبر، وتحقيق المزيد من الضغط «المعنوي» على القيادة السورية لكن هذا بالنهاية لا يحرك الاقتصاد ولا خطوط التجارة، ليكتمل الحصار بالعملية الانتحارية التي نفذها عناصر في تنظيم داعش عند معبر «طريبيل» وهو المعبر الوحيد الذي يربط الأردن بالعراق، ما أدى لإغلاقه. قد يبدو المعبر كمسافة بعيداً عن المناطق المأهولة في المملكة، لكن في النهاية علينا أن نتذكر أن هناك مساحات صحراوية شاسعة على طرفي الحدود هي مناطق يفضلها التنظيم، مع ذلك يصر رئيس أركان جيش الملك على القول إنه يَعد بالمفاجئات إذا ما اقتربت داعش من حدود الأردن، وبدل أن يعدنا بالمفاجئات فليجر استطلاعاً للرأي ليرينا أعداد مواطنيه المؤيدة ضمنياً وعلناً لداعش، وفي النهاية من سيدفع الثمن فبالتأكد هم الأبرياء في هذه الشعوب.
في ظل هذه الفوضى التي تضرب المنطقة، وما يصيبها من حروب وويلات، لم تكن دعوة الكونغرس الأميركي للتصويت على مشروع قانون يقسم العراق «نظرياً» إلى ثلاث دويلات بمفاجئ، تحديداً أن هذه النهاية كانت متوقعة منذ أن أعطى صدام حسين الحكم الذاتي للأكراد في الشمال.
في السياسة يعلمنا التاريخ أن طرفين لا يمكن إرضاؤهما أبداً: انتهازياً يمارس السياسة باسم الدين، وانفصالياً يرى انتماءه للوطن مرحله انتقالية، يتحين الظروف للخلاص منها، كلاهما أشبه بجهنم كلما أذعنت لهما قالت هل من مزيد، تتفتت الدول وهناك من في طريقه للتفتت ومع ذلك ما زال الأمل الأخير هو في الصمود السوري، فهل بات هذا الأمر ممكناً؟
ألغى «آل سعود» اجتماعاً للمعارضة كان من المفترض أن ينعقد اليوم، لم يعطوا تفسيرات لذلك، يقول البعض إنها بسبب عدم نجاح المعارضة بالتوافق، وهذا كلام لا معنى له أبداً لأن من سيذهب فهو أساساً متوافق على نقطة مهمة وهي أن «آل سعود» هم منجاة لهذه الأمة وليسوا أداة لتفتيتها وهذا يكفي.
كذلك الأمر هناك من ربط ذلك بعودة «الحرد» القطري التركي من «آل سعود»، لكن لا يبدو هذا الأمر دقيقاً تحديداً أن روح التوافق بدت واضحة في معارك السيطرة على إدلب وجسر الشغور ومن ثم يرى أردوغان بنفسه وكأنه يعيش أفضل أيامه، بل بقيت له مهمة أخيرة عليه انجازها قبل الاستحقاق الانتخابي إلا وهي السيطرة على حلب.
تبدو حلب الهدف القادم لأسبابٍ كثيرة ومنها ما بُدئ بتنفيذه:
أولاً هي الحل الأسلم -بعكس المناطق الساحلية- الذي يجعل امتداد المنطقة التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية هي أبعد من ورقة تفاوض بوجه القيادة السورية، بل هي ورقة مساومة للتلويح براية «التقسيم»، جعلت كيري منذ الآن يعود إلى رفع سقف تصريحاته. هذه التطورات على الأرض التي ترافقت مع حملة إعلامية شعواء لضرب الروح المعنوية للمواطن السوري، والتي حسب محللي الإعلام السوري الذين يتم استقدامهم بهدف رفع معنويات الشعب هي دليل إفلاس، (بالمناسبة هذا الإفلاس يتحدث عنه هؤلاء منذ التفجير الذي استهدف فرع الأمن العسكري في حلب عام 2012).
الأمر الثاني هو دخول جبهة النصرة بالأمس حي «بستان القصر» في حلب، وهو آخر المعاقل التي تسيطر عليها المعارضة السورية في حلب وما زال يرفع ما يُسمى (علم الثورة السورية). دُعست أعلام الثورة تحت الأقدام ورفع مكانها صور بن لادن ورايات تنظيم القاعدة وسط هتافات (الشعب يريد خلافة إسلامية)، هو الشعب ذاته الذي أراد في يوم من الأيام (حرية وديمقراطية)، وعليه بدئ التجهيز لما هو مرسوم بعناية والذي لا يحمل إلا المزيد من الضغط والحرب والدمار، والكرة الآن بملعب القيادة السورية وحلفائها.
بمعنى آخر لن يقبل «آل سعود» أن يكونوا هامشاً وهم قادرون على التضحية بآخر إنسان في هذه المنطقة -كما ضحوا سابقاً- مقابل عدم المساس بسلطتهم ونفوذهم فما الجديد؟
الجديد ببساطة هو عين سنضعها على الفاتيكان ونتساءل: هل حقاً إنه جاهز لاستقبال وفد من فصيل إرهابي يقاتل في سورية؟ ربما هناك من أقنعهم أن الإرهابيين في سورية ينفع معهم مبدأ: اغفر لهم يا أبتِ. لننتظر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن