من دفتر الوطن

البحث عن حلم

| عصام داري 

نحب الحياة بمباهجها وتلويناتها وأفراحها، حتى في الأحزان الصغيرة التي تكحلها فتضيف إليها لمسة إنسانية مصحوبة بدمعة حرّى تذيب جليد قسوة مفتعلة أحياناً.
الحياة أقوى من الموت، وإرادة العيش تهزم المستحيل، لكننا نشعر في كل مراحل العمر أننا نحتاج إلى شيء ما يبدو غامضاً وغير واضح المعالم، ربما نحتاج إلى نمط جديد في حياتنا يخرجنا من الروتين اليومي شبه القاتل.
نتمنى الهروب إلى أمكنة جديدة غير ملوثة بيئياً وأخلاقياً تخترقها الأنهار والجداول والينابيع الصافية التي صارت شبه نادرة، ونبحث عن جبال يكسوها «جيش» من الأشجار، ولا يحتلها جيش من أشباه البشر أعداء الخضرة والحياة والحضارة والرقي.
نكاد نختنق من حضارة الإسفلت والإسمنت، ودخان العوادم، ومشتقات النفط والقطران، و«ثورات» القتل والدم والذبح على الهوية، نريد الخروج إلى الحرية ونطلق العنان للبناء والفنون والموسيقا والألحان والأغاني، ونقود مسيرة حب متجددة كمياه الغدير، ساحرة كصبية هاربة من الجنة، كلوحة مرسومة بريشة من نور ونار وتبر وتراب.
مكتوب علينا أن نحارب بكل ما نملك كي نغير واقعنا الأليم، أو نعدّل هذا النظام الروتيني القاتل الذي يحتل كل وقتنا، فهل ننجح، وهل هناك من يقف في خط المواجهة الأول؟
سأكتب ذات صباح لحزن يسكن في المآقي، وابتسامة هربت من عالم التجهم والعبوس لتعلن ولادة الحياة كل يوم من رحم الموت والمعاناة والعذابات، سأكتب لكل من يعرف قراءة السطور، وما بين السطور، لمن يحمل بين أضلاعه قلباً يخفق بالحب والإيمان بقدرة الإنسان على اختراع أساليب جديدة تقتل الفراغ والملل والكآبة، لمن يصنع الحب، ولو في زمن الحرب، بل في زمن الحرب.
سأكتب عن التفاؤل رغم كل سحب اليأس التي تغطي سماءنا، يشرق ربيعي أحياناً في سماء ملبدة بالغيوم السوداء، وتزهر ورودي وسط الزمهرير والجليد، أشعر بالدفء رغم العواصف الثلجية، لأنني ببساطة أرسم لوحاتي الجميلة من سحر وخيال وأمل بغد أحلى وأفضل.
أعترف، ربما للمرة الألف، أنني أهرب من أحزاني بالكتابة عن التفاؤل والأمل والحب، ولا أريد في الوقت نفسه الاعتراف بالهزيمة أمام هجمة القبح التي تجتاح كل شيء، وأولها، النفوس المريضة بالأوهام والغرور والجشع والبغضاء.
باختصار أبحث عن حلم يبدو مستحيلاً، وأعرف أن حلاوة الغد تسكن في حلم نتخيله آتياً إلينا مع جيش من الأزاهير والعطور، مع صبية ولدت مع ولادة قصيدة عشق، صبية متمردة على شيخ القبيلة وتجار النخاسة والرقيق، ما أضعف أمة يسوسها تجار الرقيق المسترخون في أجنحة الحريم!
الغد الآتي يحمل الحب، والنور والخير، ليزيح العتمة التي احتلت مساحات من الأرض والروح والنفس طوال سنوات خلت.
طبيعي أن رقة الكلام، وسخونة الأحاسيس والمشاعر تذيب جبال الجليد التي تراكمت عبر الزمن، وصارت حملاً ثقيلاً على القلوب والعقول، فلنكن من حلف الكلمة الطيبة، ومن «شلة» الحب والمحبة، و«كروب» الإنسانية، كي نعيش الحياة ونحصد ذلك الحلم الذي بحثنا عنه طوال عمرنا، من دون ذلك لا طعم للحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن