نحت الزخارف المعمارية مهنة تجذّرت في العائلة … وسيم محمد كل لـ«الوطن»: النحت من أهم الفنون التي توثّق تاريخ وحضارات البلاد مهما طال الزمن
| سوسن صيداوي
بين الحضارة والأصالة هناك الصنّاع، وبين الموهبة والحرفة هناك الكثير من الجهد والتعب، وفي المقابل بين التحصيل العلمي وجودة الإنتاج لن يكون للشهادة المحصّلَة أهمية تذكر أمام الموهبة الربّانية. الحديث يدور عن ابن حلب الشهباء، نحات أباً عن جد، وللعائلة البصمة القوية والاسم اللامع في مجال الزخارف المعمارية والهندسية، الحاضرة في أهم الأبنية والمعالم السورية. بالعودة للشاب، حجر الرخام مطواع بين يديه، ورغم عمره الندّي، مواليد 1994، فهو قادر بصبره وشغفه وطول أناته، أن يحول الحجر للشكل الذي يريده، ليلقى بالمقابل من المشاهد الإعجاب الكبير. يده لم تنتقل إليها عدوى قساوة الحجر، فهو يمسك بين أصابعه ريشته بمرونة، ويخط بها رسومه التي أبدع بها ونال من خلالها استحسان الجمهور أولا، واهتمام ومتابعة أهم نجوم الفن السوري والعربي، أنه الفنان وسيم محمد كل، شغفه للفن وعشقه له أبعده عن دراسة الكتب والسعي بالسنين للحصول على تحصيل علمي جيد، لكن هذا لم يمنعه قط أن يصقل موهبته التي يتمتع بها عدد من أفراد عائلته، ويتابع فنه ويدعمه بكل ثقافة مطلوبة مطلعا على كل ما هو جميل وعالمي راق. صحيفة «الوطن» التقت الموهبة الشابة وكان لها معه الحوار التالي:
ترعرعت في جو عائلي فني وكبرت والمنحوتات محيطة بك… حدثنا عن طفولتك ونشأتك وتأثرك بالفن؟
أنا نشأت وترعرت في جو عائلي مملوء بروح الفن، سواء من الرسم أو النحت، أبي وأمي أعطاهما اللـه الموهبة وإخوتي وأخواتي أيضا، وأنا أعتبر أن الموهبة لدينا في العائلة عامل وراثي وهذا الأمر هو الذي دفعني إلى حب الرسم والنحت.
ذكرت لي أنك في بدايتك كنت نحاتا.. ما المواد التي كنت تستهوي نحتها.. حجراً أم خشباً… الخ ولماذا؟
النحت مهنة العائلة، فنحن ننحت الزخارف المعمارية والهندسية على الحجر والرخام، وفي الوقت الحالي مازلت أعتبر نفسي مبتدئا فيه، لأنه بنظري هو من أصعب وأهم الفنون في العالم، ولهذا السبب أنا أهتم به كثيراً وأتمنى أن أصبح نحاتا بارعا ومعروفا، وفي النهاية محترفا.
كيف انتقلت إلى الرسم؟
في وقت الفراغ ومنذ أيام الطفولة، أقوم بالرسم، ولكن اهتمامي به تعمّق وكان أكبر منذ بداية الأزمة، ولأنني دائماً أسعى وأرغب في أن أحقق شيئاً مميزاً لنفسي، لهذا تعلمت وحدي، أساسيات الرسم، وتابعت رسامين محترفين، ما أقصده أنني لم أنتسب إلى كلية أو معهد، بل متابعتي واهتمامي هما مجهود شخصي، وصرت أرسم، وقوبلت باستحسان وإعجاب الناس، وحتى اليوم مازلت أتعلم ولن أتوقف عن التعلّم، وسأحقق هدفي في ترك أثر من خلال إثباتي أن الفن في سورية لن يموت مهما كانت الظروف قاسية أو جائرة.
أين تجد نفسك.. في النحت أم محتضنا الريشة والألوان؟
النحت والرسم شيء مشترك، ولكن النحت أهم، لأنه كما ذكرت هو فن صعب، كما إنه من أهم الفنون التي توثّق تاريخ وحضارات البلاد وتبقى الدليل الحي على ثقافتها مهما طال الزمن أو تغيرت الظروف.
ألا تجد البورتريه صعبا ومعقدا كما هي طبيعته.. وهذا السؤال لأنك تكثر من رسم البورتريهات.. وما الذي يشدّك إلى هذا النوع من الرسم؟
في رسم البورتريه متعة كبيرة، وخاصة عندما أنجح في رسم وتشخيص أدق التفاصيل والملامح، هذا إضافة إلى أنني أرى أن رسم الأشخاص قادر على جذب المشاهد أكثر من باقي أنواع الرسومات.
اهتمام النجوم السوريين والعرب برسوماتك المخصصة لهم واضح جدا.. هل بهذه الطريقة يمكنك أن توصل فنك واسمك لأكبر شريحة ممكنة؟
طبعا… المشاهير العرب بشكل عام ومشاهير الفنانين السوريين من مطربات وممثلين بشكل خاص، قدموا لي دعما واهتماما كبيرين، من خلال نشر رسوماتي المخصصة لهم عبر صفحاتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ساهم بطريقة أسرع في إيصال اسمي ورسوماتي للناس، وخاصة أن صفحاتهم متابعة من ملايين الأشخاص حول العالم.
إذاً ساعدتك الشبكة العنكبوتية أكثر من غيرها من الوسائل الأخرى المتاحة اليوم؟
بالطبع… الانترنت من الوسائل التي لم تسهم فقط في إيصال موهبتي وفني للناس بشكل سريع، بل هي وسيلة مهمة للتعلّم والاحتراف، من خلال الاطلاع على مواقع تعليميّة ومتابعة مواقع وصفحات لرسامين مشهورين من بلاد أجنبية، إضافة إلى سهولة التواصل مع أصدقائي الرسامين ومتابعة أعمالهم ورسوماتهم، وأيضاً أشارك في مسابقات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكنت حصلت على المركز الأول عدة مرات، وهذه في النهاية أمور تخلق المنافسة والتشجيع، كما أحب أن أضيف إن خبرتي في النحت تعد أقل خبرة بين أبناء عائلتي، ولكنني أكثرهم من يستغل الانترنت في نشر أعمال العائلة، والكثير من الأجانب والعرب يتابعون أعمالنا النحتية حتى إنهم يسألون عن نوعية الآلات التي نعمل بها وهم لا يصدقون أن منحوتاتنا يدوية.
ما خططك التي تطمح إلى تحقيقها في المستقبل؟
أنا أطمح أن يكون لي بصمة في إعمار سورية ومدينتي حلب، من خلال تزيين المداخل بالزخارف المعمارية والرسومات الدالة على الحضارة السورية الحقيقية، وعلى الرغم من ظروف الأزمة الصعبة التي تحبط في كثير من الأحيان، إلا أنني أقوم بالرسم وأحاول ألا أتوقف حتى أستطيع أن أثبت للعالم أن الفن في سورية لا يموت وبالثقافة والفن نرتقي.
ذات مرة كتبت على صفحتك الفيسبوكية رداً على تصرف أحد الرسامين من أصدقائك «أنّه لا يجوز أن يبيع الفنان لوحاته بمبلغ 5000 ليرة سورية»، ولكن هل الفن يطعم الخبز ويؤمّن كفاف الحياة… وما المعوقات والصعوبات التي تواجهك كفنان موهوب تشق طريقك في الساحة الفنية؟
أنا وأصدقائي يأتينا الكثير من الطلبات على الرسم، ومن الصعب أن نلبي كل الطلبات بالمجان، لأن الأمر مكلف وأدوات الرسم غالية الثمن، ومن الممكن أن يتطلّب رسم اللوحة ثلاثة أيام على الأقل، ومبلغ 5000 ليرة سورية، هو مبلغ بسيط، وبصراحة هو مبلغ استغلالي سواء من الناس التي تطلب اللوحات أو حتى التاجر الذي يبيع له الرسامون اللوحات، وبالنسبة لي ليس هدفي من الرسم مادي، بل هدفي إسعاد الناس برسوماتي، لهذا من الممكن أن أرسم بالمجان وأن أقدم الهدايا، لكن هذا من دون أن أشعر باستغلال الناس.
ألا تفكر في متابعة تحصيلك العلمي؟
أنا درست إلى الصف التاسع، وبالفعل الشهادة مهمة، والموهبة أساس النجاح، ولكني أعتبر أن الحياة العملية هي من تُكسب المرء الخبرة وتمنحه الإنجازات والقدرة دائماً على تحدي الظروف، لكنني بالمقابل أحب القراءة كثيراً وخاصة الكتب التي تتحدث عن تاريخ الحضارات وتاريخ الفنون، والنحت في عصر النهضة في إيطاليا، وأقرأ عن أساسيات الرسم وأصول النحت، كما أنني مستمع جيد للموسيقا، فهي ترافقني مع أزميلي أو ريشتي طوال الوقت فهي إضافة لهما الغذاء لروحي، ولكل منا أيقونة ينظر إليها ويحاول التعلم منها وبالنسبة لي مثلي الأعلى النحات والرسام الإيطالي مايكل أنجلو.
هل تستهويك فكرة السفر إلى الخارج؟
كل الشباب وبعيداً عن هذه الظروف الحالية، يحبون السفر واكتشاف العالم، ولكنني أحب سورية كثيرا، وكما أؤكد أنني أطمح أن يكون لي بصمتي في الإعمار والبناء، أنني سأعمل بكل قوتي وأن يكون الفن هو الرسالة والسلاح الذي نحارب بهما الجهل والإرهاب ونؤكد به الهوية السورية الحضارية، وفي المقابل وللأسف وبسبب الظروف الحالية، اضطر العديد من الشبان إلى السفر، ولأن الكثير منهم هم بحاجة إلى رعاية واهتمام وإلى فرص عمل، وبالطبع هناك الكثيرون سافروا بسبب اليأس ومحاربة مواهبهم ولم يجدوا من يتبناها، هذا وجع معظم الشبان السوريين ووجع سورية لأن نخبة من أبنائها يتركونها ويقدمون نجاحهم للغرب.
من قام من الفنانين السوريين والعرب بنشر أعمالك على صفحاتهم الشخصية؟
دعم الفنانين لي كان رائعا وهو ما ساهم في تعريف العالم برسوماتي، والقائمة طويلة منهم على سبيل الذكر: أمل عرفة، قصي خولي، الكاتبة أحلام مستغانمي التي أرسلت لي ثمن لوحة لها كنت رسمتها ولم تأخذها بل بقيت عندي، فلفتتها كانت جميلة رغم أنني لم أكن بحاجة للنقود، وأيضاً من الفنانين ميريام فارس، نسرين طافش، أحمد الأحمد، ريم نصري عندما قمت برسم الفنان مصطفى نصري، ورويدا عطية وسلاف فواخرجي.