تناقص «الردع» الأميركي بعد عدوان «الشعيرات»
| تحسين الحلبي
كانت القيادة الإسرائيلية في نهاية عام 2016 تتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتراجع عن دور الولايات المتحدة في المنطقة، وترى أن «قدرة الردع الأميركية» للمناهضين لسياستها والمتصدين لعدوانها انخفضت إلى أدنى مستوياتها، ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاحظ بعد استلامه للقرار العسكري والسياسي الأميركي أن المطلوب منه هو استعادة القدرة على الردع وزيادة درجتها في منطقة الشرق الأوسط وفي منطقة بحر الصين وشبه الجزيرة الكورية، فهل تحقق لترامب هذا الهدف؟
يرى المحللون في واشنطن أن زيادة الميزانية العسكرية الأميركية السنوية بـ54 مليار دولار لن تحقق الهدف الأميركي الذي تريده إدارة ترامب، لأنه زاد من عدد جبهات الحرب التي ولدها على الولايات المتحدة، ففي سورية ستتطور أي حرب يفتحها فوق أراضيها إلى حرب تجابهه بها روسيا بشكل غير مباشر من خلال دعم الجيش السوري بأسلحة حديثة متطورة تزيد من قدرات حلفائها في الجيش السوري وحزب اللـه وإيران، وفي كوريا الشمالية يرى الجميع أنها قد تشكل أفغانستان جديدة للقوات الأميركية حتى لو انضمت كوريا الجنوبية واليابان إلى هذه الحرب لأن الصين ستلعب دوراً غير مباشر هي الأخرى ضد هذه الحرب الأميركية من خلال استمرار تزويدها لوسائل الصمود والدعم للكوريين في الشمال.
وفي الخليج وقرب البحر الأحمر، لن يكون بمقدور واشنطن إرسال عشرات آلاف آخرين لزيادة قدرات القواعد العسكرية في تلك المنطقة التي تفتقر للقوى البشرية العسكرية سواء في السعودية أم في بقية دول الخليج، فالحرب على هذه الجبهات الثلاث بالإضافة إلى جبهة أفغانستان والتطورات المقبلة على العراق، لا يمكن أن تنتهي بالسرعة التي ترغب إدارة ترامب بها ووحدها، لأن دول الاتحاد الأوروبي لا تنشغل الآن إلا بالمحافظة على تماسك دولها وتحسب حسابات كثيرة لخروج بريطانيا والتغيير المتوقع في سياستها تجاه الدول الأوروبية.
وتصطدم هذه التصورات والافتراضات الموضوعية، بتحريض إسرائيلي أصبح ترامب وإدارته أسرى لخططه، فقد نشر «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» بعد فوز ترامب وقبل شهر تقريباً من استلام منصبه في البيت الأبيض، مجموعة نصائح وتوصيات له كان أبرزها ما جاء في تحليل نشره وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون يذكر فيه: «أن إدارة ترامب مطالبة باستعادة قوتها التي تقود من خلالها العالم، بعد أن تدهورت هذه القوة في الشرق الأوسط بسبب الدور الروسي والإيراني المتحالف مع سورية»، ودعا يعالون في تحليله ترامب إلى «تعبئة الفراغ الذي بدأ يتولد من تراجع أوباما في السنوات السابقة».
واعتبر أن أول عمل عسكري يقرره ترامب في المنطقة يجب أن يشكل «إمكانية كبيرة في تحسين صورة ومكانة القوة الأميركية بطريقة تستعيد فيها الولايات المتحدة قوة الردع التي فقدت جزءاً منها في عهد أوباما».
ويبدو أن العدوان العسكري الأميركي على مطار الشعيرات وفبركة أسبابه بتلك السرعة، يشكل أول عمل عسكري أميركي مباشر علني ضد دولة مستقلة لتحقيق هذا الهدف الذي حدده يعالون، بلغة عميقة وعسكرية، لكن هذا الهدف التكتيكي الأميركي سرعان ما تحول إلى إحباط وتراجع حين أدرك وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن روسيا ستزيد من تعزيز قدرات سورية العسكرية والتكنولوجية الحربية المتطورة بعد هذا العدوان في إطار حق سورية بالدفاع عن النفس والتصدي المباشر لأي عدوان أميركي بعد حادث مطار الشعيرات، ولذلك يرى أحد المحللين في البنتاغون أن قصف مطار الشعيرات بصواريخ توماهوك نقل سورية إلى وضع جديد زاد من قدرتها الدفاعية وشجعها على الثقة بتوجيه رد على أي هجوم أميركي في المستقبل.
وهذا ما يشير إليه جيسون ديتس في المجلة الإلكترونية الأميركية «أنتي وور» في تعليقه على مرحلة ما بعد العدوان الأميركي المباشر على سورية وخسارة الولايات المتحدة لجزء من قدرة الردع بعد هذا العدوان.