رواية أخرى للمجازر
| مازن بلال
تتحدث الوقائع عن جريمة تفجير حافلات كفريا والفوعة في الراشدين وفق ترتيب للحدث، رغم أن ما جرى لا يتحمل أي رواية منطقية أو تحليل يستند لتقاطعات محددة، فالمسألة تلخص جزءاً من عمق الأزمة السورية، وتقدم مشهدا يمكن من خلاله معرفة عدم القدرة على تفسير «الاضطراب» و«العنف» الذي يشكل كل التفاصيل منذ عام 2011 حتى اليوم، وهو ما جعل عملية البحث عن «سيناريو» للحل صعبة وتفتقد التصورات، فكل ما يجري يبدو كأنه «مفاجأة» غير محسوبة، أو من المستحيل توقعها ووضعها ضمن احتمالات الحل السياسي.
في مجزرة الحافلات ما يتجاوز الحالة الإنسانية والسياسية، فهو يضعنا بشكل مباشر أمام التناقض الفاضح بين «العملية السياسية» والمشهد العسكري، ويرسم المفصل الرئيس في عدم القدرة على التحكم بالأزمة ككل، فالتفاوض ورغم إضافة الإرهاب إلى أجندته يبقى مساراً ينتظر «حالة مستحيلة»؛ تفترض الرضوخ المطلق لكل من يحمل السلاح للمسار السياسي، وتضع احتمالا غير مسبوق بأن التوازن السياسي في جنيف إذا تحقق يمكن أن يغير من المعطيات الميدانية، والأهم أن أي اتفاق سيجد «حاملا» سياسيا واجتماعيا لتطبيقه في سورية، فهناك نموذج سياسي يتشكل في فضاء مختلف تماما عن البيئة المنتشرة على الأخص في مناطق المجموعات المسلحة.
عمليا فإن المسار السياسي يعمل تحت غطاء من الشرعية الدولية، ويبحث في كل التفاصيل عن «الضامن» الدولي لتطبيق الحلول، وفي المقابل فإن اتفاق «البلدات الأربع» الذي انتهى بمجزرة في حي الراشدين بحلب لا يختلف في آلياته عن المسار السياسي ككل، لأنه اعتمد على التفاوض و«الضامنين» ليثبت أن التوافقات ربما تحتاج لآليات أخرى تتجاوز حدود التفكير السياسي الاعتيادي، وتنطلق نحو النظر إلى ما يجري ضمن نقطتين:
– الأولى أن التصورات الأوروبية والأميركية للمسلحين لا يمكن أن تصل إلى وضوح وتحديد كامل، فهم بالنسبة لها «النافذة» التي تكسر المعادلة السورية والإقليمية في آن، وحتى عندما يتم تصنيف بعض المجموعات كـ«إرهابية» فإنها تبقى ضمن الهامش الذي يتيح للعديد من الحكومات النفاذ إلى الأزمة السورية والتأثير فيها.
التصور الأوروبي للمجموعات المسلحة لا يكشف فقط عمليات التوظيف للإرهاب من أجل إحداث التغيير، ولكنه أيضاً ينقل مأزقا في مستوى أي مسار سياسي، لأن الحلول ربما تتطلب تفكيك بنية كاملة وشبكة من العلاقات القائمة اليوم، وهو أمر لا يتم بحثه أو النظر إليه بجدية.
– النقطة الثانية مرتبطة بفهمنا كسوريين، ومفاوضين بالدرجة الأولى في جنيف، أن أي منصة لا يكفي أن تكون «مبادرة» أو مشروعاً، لأنها ستحتاج في النهاية إلى أمر آخر تماما يرتبط بصراع إرادات على الأرض لا تستطيع حتى الدول الكبرى ضمان نتائجه.
يمكننا بعد كل مجزرة قراءة «الرغبة السياسية» من جديد لنكتشف هشاشتها، وعدم قدرتها على فرض واقع مغاير، فالحل السياسي هو الأساس بالتأكيد؛ إلا أنه يحتاج لأكثر من طرح المشاريع والتمنيات السياسية، وربما سيكون لتثبيت نموذج واقعي مهما كان صغيراً أمر أساسي لخلق خط صراع يدفع السياسة لمواجهة العنف الذي لا يمكن حله في الأروقة الدولية.