رُوّاد الأذى والتشفّي
| صياح عزام
بمزيد من الخسة السياسية والفعل الشنيع، هللت ما تسمى المعارضة السورية للضربة الأميركية لمطار الشعيرات في السابع من نيسان الجاري وامتدحتها على لسان أكثر من عميل قابع في الفنادق التركية والغربية والسعودية والقطرية، ودعت إلى المزيد من الضربات المماثلة… إنها شهادة عار تضاف إلى صفحاتها السوداء، ولو كان لدى هؤلاء العملاء الصغار ذرة من الضمائر والقيم وادعاءات الحرص على مستقبل بلدهم سورية، لما تجرؤوا على اتخاذ هذا الموقف المشين الذي يمثل أبشع وأحط أشكال ممارسة هذا اللعب من بيع الضمائر وشراء الفرص المغشوشة.
إن مثل هؤلاء، مثل الذباب الذي لا يستطع أحد أن يقنعه بتغيير أولويات اهتمامه من الاعتياش على النفايات، واستبدال هذا التوجه بمزاولة الاقتراب من الأزهار والمناطق النظيفة وحسنة الإضاءة، كما يرى أحد الكتاب المشهورين.
كذلك لا يستطيع أحد أن يغير قناعات البعض باتجاه أولويات يتحول فيها من عنصر للتدمير والفساد والنكايات والأحقاد والتشفي والضغينة والحماقة، ويستبدلها باعتماد عنصر خير وإصلاح وقيم نبيلة وسمعة حسنة وطيبة. وإذا كان قد قيل إن القطط تفرح بعزاء أهلها، فإن هناك العديد من السياسيين والمسؤولين الذين قبلوا بالارتهان للخارج، ضمن هذا المجال أو ذاك، قد كشفوا أنفسهم بأنهم (روّاد أذى وتشفّ)، وإن لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن أن يتجرع أي مواطن شريف مواقف الذين رقصوا وفرحوا وأظهروا امتناناً غير محدود لصواريخ التوماهوك المجنحة التي ضربت مطار الشعيرات العسكرية بذريعة واهية ومفبركة مئة بالمئة لم تستوف أي شرط من شروط الحقيقة أصلاً، بادعاء كاذب يقول: إن الطائرات السورية هي التي قصفت خان شيخون بالسلاح الكيميائي.
هناك مجموعة من الأسئلة التي كان يجب الإجابة عنها قبل أن تحرك واشنطن صواريخها منها: كيف استطاعت الإدارة الأميركية والدوائر الإقليمية الموالية لها أن تميل إلى الاعتقاد، بل تجزم، بأن الطائرات السورية هي وراء استخدام هذا النوع من الأسلحة، علماً أن المنطق ومسوغات الصدق تحتاج بالضرورة إلى لجنة تحقيق مُحايدة تتولّى متابعة الموضوع؟
ولماذا لم تتم الاستعانة بخبراء مكافحة الأسلحة الكيميائية من عدة دول محايدة لو أُريد الكشف عن الحقيقية، بدلاً من إلصاق التهمة مباشرة بسلاح الجو السوري؟ وأي منطق هذا الذي يدعي أن الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» تأثّر إلى حدّ كبير بما شاهده من نتائج مُفبركة للقصف الكيميائي على الأطفال والنساء والمدنيين الآخرين، في الوقت الذي لم يصدر عنه ما يؤكد غضبه أو تأثره ولو بوقفة حزن بسيطة أو بعدة كلمات مختصرة أمام أكثر من 500 طفل وامرأة ومدنيين آخرين تسببّت الضربات الجوية الأميركية بقتلهم في أحد أحياء الموصل قبل عدة أيام، أو أمام المئات من السوريين المدنيين الذي راحوا ضحية الغارات الأميركية في الشمال السوري بذريعة الخطأ؟ ومن يمكن أن يُصدّق كذبة أن قصف مطار الشعيرات جاء لمصلحة الأمن القومي الأميركي، وكأن هذا النوع من المصلحة لا يتم إلا بارتكاب أعمال شائنة وخارقة للقانون الدولي، وقائمة على أساس ادعاءات مُلفقة من ألفها إلى يائها؟
إن ما تسمى المعارضة السورية التي امتدحت الضربة الأميركية وهلّلت لها ودعت إلى المزيد من الضربات المماثلة للمطارات السورية، ما هي إلا محاولة يائسة للتعتيم على الموت السريري الميداني لهذه المعارضة بعد الهزائم التي ألحقها بها الجيش العربي السوري على أبواب دمشق وفي حماة مؤخراً وفي أماكن أخرى متعددة، بل إنها شهادة على الخسة السياسية والفعل الشنيع والارتباط بالأجنبي على حساب بلادهم ووطنهم إن كانوا يؤمنون بوطن أو بانتماء لبلدهم؟ كيف يمكن تفسير مواقف هذه المعارضة في الوقت الذي تستنجد فيه ليل نهار بالأجنبي وتتوسّل إليه بأن تقصف طائراته بلادهم؟!
حقاً إن مثل هؤلاء السياسيين ممن يدعون أنهم معارضة سورية هم تجار تلفيق لا أكثر، وقد وصل بهم اليأس لدرجة تصوّروا معها أن ضربة صاروخية يمكن أن تغيّر المعادلات على الأرض، وكأن سورية لا تمتلك أي رصيد من القوة بعد أن صمدت أكثر من ست سنوات في وجه كل أشكال العدوان.
أخيراً، نقول لكل من طبّل وزمر من معارضة ورعاتها في السعودية وقطر وتركيا وغيرها من الدول الغربية بأن الاستفزازات لا يمكن أن تصنع حقائق.