حوران والتشكيل الهش
| مازن بلال
يتم رسم ملامح الصراع في الجنوب بشكل مختلف، فالمهام الرئيسة للمجموعات المسلحة في الجنوب باتت تبديل مساحة الصراع مع إسرائيل، وخلق «مناطق هشة» يصعب على الدولة السورية ملء الفراغ فيها لأي مواجهة عسكرية مع إسرائيل حصرا، فجبهة الجنوب التي تتعرض طوال سنوات الأزمة لـ«تفريغ عسكري» عبر مهاجمة جميع القطعات العسكرية فيها، يعاد تجميعها اليوم بشكل مختلف لتكون حالة جديدة على مستوى الأزمة السورية كلها.
ربما ليس جديداً مسألة الدعم الأردني أو الإسرائيلي للمجموعات المسلحة في حوران، لكن هذا الدعم كان يملك أهدافا على مستوى الشكل السياسي في سورية، في حين اليوم يذهب إلى التعامل مع واقع مختلف ينظر إلى الجولان وحوران ضمن جبهة واحدة يمكن أن تشكل «جغرافيا» مختلفة تماما عن السياق السوري ليس فقط منذ الاستقلال، بل أيضاً على مستوى التاريخ السوري الطويل، فحوران أساسا هي امتداد لدمشق جغرافيا واقتصاديا، وهي أيضاً بوابة «إقليمية» أكثر منها منطقة محلية أو حدودية بين سورية والأردن، ومن الصعب وفق التاريخ الحديث على الأقل، النظر إلى هذه المنطقة بشكل مستقل عن العمق السوري باتجاه دمشق.
عمليا فإن التفكير الأميركي والإسرائيلي يذهب نحو الترتيبات النهائية لإعادة تشكيل المنطقة كلها، والنموذج الذي يتسرب لحوران يتم بناؤه وفق قاعدتين أساسيتين:
– الأولى، عزل جبهة الجنوب عن خط الصراع كاملا مع إسرائيل، فهي لن تكون حزاما بل مجال تأثير إقليمي يصعب معه خلق واقع عسكري كما كان الحال منذ استقلال سورية.
إن منطقة حوران ارتبطت منذ الاستقلال بكونها خط المواجهة بالدرجة الأولى، وهي إضافة لدورها في الصراع مع إسرائيل شكلت مجال الدفاع الأول عن العاصمة، فارتباطها بدمشق عضوي لأبعد الحدود سواء في مراحل التاريخ الحديث أم حتى القديم، والتفكير بوضعها ضمن إطار جديد لا يؤثر فقط على دمشق بل سيؤدي أيضاً لتشتيتها بالكامل ولضياع دورها الأساسي كبوابة إقليمية.
– الثانية، تغير المعطى التاريخي للعلاقة بين حوران والعمق السوري، ورغم صعوبة هذا لكنه يبدو شأنا أساسيا لفرض واقع على سورية وحلفائها، فالسيناريوهات في هذا الإطار مفتوحة على احتمالات كثيرة.
تتجه الترتيبات إلى إحداث تحول ديموغرافي، تحقق جزء منه، من خلال معسكرات اللجوء في الأردن، ولكن التحول الأكثر عمقا يمكن أن يحدث من الآن ولاحقا، فمن السيناريوهات تحقيق توازن سكاني مع الأردن، وبالتالي تصبح حوران أكثر التصاقا بعمان منها بدمشق، ولكن هذا الاحتمال لا يبدو وحيدا لأن الأهم ضمان المنطقة المفتوحة باتجاه دمشق والتأثير فيها لتسوية الصراع مع إسرائيل، وجعل السلة الغذائية في منطقة حوران ليست حكرا على سورية بل يمكن أن تستفيد منها إسرائيل والأردن.
الخطورة الحقيقية ليست في فصل منطقة حوران، بل في إعطائها صفة مرنة تتيح للجميع التدخل عبرها، فهذا السهل هو خاصرة هشة باتجاه العمق السوري، وهو سيمنع الدولة السورية من تحقيق حدود القوة المطلوبة لتحقيق سيادتها واستقرارها العام.