بين الخطيئة التاريخية والتاريخ المجيد.. واجب مقدّس
| بيروت – رفعت البدوي
بعض المراقبين والمتابعين للسياسة الأميركية يغرق في قناعته التي تفيد أن أي رئيس أميركي يحتل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بواشنطن يستطيع إذا ما رغب اتخاذ القرار الحاسم الذي يشكل تحولاً استراتيجياً طبقاً لرؤية الرئيس أو تنفيذاً لإستراتيجية فريق عمله الخاص حتى وإن كانت مختلفة عن إستراتيجية المؤسسة الأميركية العميقة.
لكن سياسات الإدارة الأميركية وممارساتها وخاصة في منطقتنا العربية، تقودنا إلى قناعة راسخة لا لبس فيها، تدحض اعتقاد بعض المراقبين والمتابعين الغارقين في قناعاتهم، بيد أن تلك السياسات والممارسات الأميركية على مر التاريخ القديم والحديث بدءاً من عهد جون كنيدي مروراً بعهد ريتشارد نيكسون وصولا إلى عهد دونالد ترامب، كلها عهود أثبتت عقم محاولات تنفيذ أي مشروع أو رؤية تؤدي إلى تغيير في السياسات والنيات الأميركية القائمة على السيطرة على الدورة المالية والمصرفية وعلى مصادر الطاقة الاقتصادية في العالم، وذلك عن طريق القوة العسكرية المدمرة للأوطان والكيانات وإثارة الفتن الهادفة إلى التفتيت والتشتيت بين الشعوب وفي المجتمع الواحد بهدف تسهيل تنفيذ مخطط تأمين المصالح الأميركية، ولو كان بطرق ملتوية يستند إلى اختلاق الأكاذيب والافتراءات والتضليل الإعلامي ولو أدى ذلك إلى إزهاق الملايين من الأرواح البريئة.
وبما أن اللـه خص منطقتنا العربية بمصادر الطاقة التي تؤمن ما يقارب ثلث اقتصاد العالم، فكان من الطبيعي أن تولي المؤسسة العميقة في الإدارة الأميركية كل اهتمامها بوضع دراسات وأبحاث وخطط كلها تهدف إلى إيجاد السبل الآيلة إلى تفتيت الأوطان وتشتيت المجتمعات وطمس التاريخ وتدمير التراث وتغيير المفاهيم وإضعاف مؤسسات وجيوش دول منطقتنا العربية، وكل ذلك من أجل السيطرة على القرار العربي ومنه النفاذ إلى السيطرة على ثروات بلادنا العربية.
ومن أجل تحقيق أهداف المؤسسة العميقة للإدارة الأميركية، كان لا بد من إيجاد قاعدة متقدمة في منطقتنا العربية محمية من إمبراطورية الصهاينة المالية العالمية، فكانت أرض فلسطين الفريسة التي التهمتها المؤسسة العميقة في أميركا ونصّبت عليها العصابة الصهيونية التي سميت بإسرائيل لتكون الذراع القوية في المنطقة التي تأتمر بأوامر المؤسسة العميقة للإدارة الأميركية وتنفذ مخططاتها ودراساتها الرامية إلى ضرب وتفتيت أي نظام عربي من شأنه المحافظة على هويته العربية ويرفض الإذعان لرغباتها ومخططاتها، وهذا ما يصيب الوطن العربي من العراق إلى سورية وليبيا واليمن وحتى جمهورية مصر، رغم توقيعها اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني لكن مؤسسات الدولة في مصر وجيش مصر بقى عرضة لتهديد وإرهاب المؤسسة العميقة وإسرائيل.
بات واضحاً أن الرئيس ترامب لم يستطع الصمود بوجه المؤسسة الأميركية العميقة التي تتحكم بمفاصل الإدارة الأميركية أمنياً وعسكرياً واقتصادياً على مستوى أميركا أو على مستوى تنفيذ نتائج الدراسات والأبحاث التي تؤمن المصلحة الأميركية الإسرائيلية، وأضحى ظاهراً أن ترامب خضع وبات خانعاً وطيعاً لأوامر ورغبات الجنرالات المسعورة في أميركا وخصوصاً بعد الحملة الإعلامية الضخمة إضافة إلى استقالات بالجملة أصابت العديد من أفراد طاقمه الذي سانده في حملته الانتخابية بإطلاق شعاراته التي وصفت بالمجنونة.
فها هي المؤسسة العميقة في أميركا تأمر بإطلاق صواريخ توماهوك من البوارج الأميركية في عرض البحر نحو مطار الشعيرات في سورية في اعتداء سافر وتحت عناوين كاذبة ملفقة ومزاعم مبررة وحجج واهية من دون أي دليل مثبت على استعمال السلاح الكيميائي في سورية، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تفرض الحصول على قرار مسبق وبالإجماع بعد التثبت والتحقق من الحدث عينه وألا تعتمد الدولة المعتدية الانفراد وابتداع الأوهام مبرراً للاعتداء على الدول الأخرى.
أضحينا في لب صراع محاور، الأول أراد الحفاظ على الدولة والهوية والكرامة العربية رافضاً الإذعان لرغبات المؤسسة الأميركية العميقة بقيادة سورية، ومحور ثان يريد الاستسلام والخنوع وبيع الكرامة والهوية العربية وتسليم الثروات العربية وسلب القرار فيها تنفيذاً للمؤسسة الأميركية العميقة.
وبما أن سورية وحدها البقية الباقية والملجأ الوحيد لنا في الحفاظ على هويتنا وكرامتنا وحضارتنا العربية، وجب على كل عربي مخلص في كل الأقطار العربية أن يولي وجهه شطر الشام، قلب العروبة النابض، والدعوة للتجمع في دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية لإعلان قيام الحلف العروبي المتين بقيادة سورية العروبة من أجل وضع الدراسات والأبحاث والأفكار السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية لمواجهة خطط وافتراءات المؤسسة الأميركية العميقة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وبشكل يُفهِم أميركا وحلفاءها من هواة تقسيم منطقتنا العربية وهواة نهب ثرواتنا واللعب بمصير شعبنا وأصحاب مبادرات التفريط بفلسطين، أن تنفيذ مخطط المؤسسة الأميركية العميقة هو الخطيئة التاريخية وأن الحفاظ على سورية العربية هو التاريخ المجيد بحد ذاته، وأن مواجهة خطط المتآمرين عليها أمر لا هوادة فيه وأن التمسك بقيادة سورية في معركة الحفاظ على الهوية والأرض والثروات والحقوق العربية واجب مقدّس لأن الجمهورية العربية السورية ستبقى الرائدة والقدوة في الانتماء العربي شاء من شاء وأبى من أبى.