بين الكلام والصمت
| د. اسكندر لوقا
يقول الفيلسوف الفينيقي زينون (334- 263): لقد خلق لنا أذنان وفم واحد لكي ننصت كثيراً ونتكلم قليلاً. مع أن هذه الحقيقة لا تحتاج إلى برهان، فإن العديد من الناس يعتقدون أنهم خلقوا للكلام حول ما يستحق وما لا يستحق. وتبعات مثل هذه العادة، عادة الثرثرة، غالباً ما تدفع بالمرء، حتى يطفئ ظمأه، للجوئه إلى الكذب إذا ما أدرك أنه لم يعد يملك البراهين على ما يقول.
إن عادة كهذه، قد تكون مقبولة في بعض الأحيان ولكن ليس في كل الأحيان، وخصوصاً عندما يكون ثمة ظرف يتطلب التريث في إصدار الحكم على موقف وخصوصاً في حال عدم وجود أدلة تستدعي إصدار الحكم عليه، وذلك على نحو ما يردد في زمن يمر فيه الوطن في محنة. في ظرف كهذا، من البديهي أن يتأثر البعض من الناس بما يسمعون، لا بما يقرؤون فحسب، وتحديداً عندما يصدر الكلام عن إنسان في مركز مرموق نسبياً في بلده قياساً على من يستمع إليه أو يقرأ له.
عادة الثرثرة من الأمراض التي تصيب أناساً تنقصهم الثقة بالنفس أو الجرأة على الصمت حيث يكون مطلوباً، كما الكلام عندما يكون مطلوباً، وفي غير هذه المعادلة، غالباً ما يشكل المريض بالثرثرة ضرراً على الآخر في حال عدم معرفته بحقيقة ما جرى أو يجري أمامه، وبالتالي يفقد الإنسان مصداقيته، ويعد كلامه مجرد ثرثرة لا تقدم نفعاً لأحد.
هذا المرض الذي يصيب الإنسان الفاقد الثقة بنفسه، يتخطى ضرره صاحبه في كل الأحوال، وفي كل الأحوال أيضاً، يضعه في صف من يملك أذناً واحدة وفمين ويحتاج إلى إعادة ترميم العطل الذي فيه وجعله في صف من لا يؤمن بأن الكلام خلق لأداء وظيفة نافعة، ولم يخلق لأداء دور لا مكان له، وبذلك يصير عبئاً على صاحبه وعلى من حوله.
في زمن الحرب التي تهدد كيان وطن، أي وطن، من المفيد التذكير بقول الفيلسوف الفينيقي زينون المار ذكره في المقدمة، لأن الكلام له قيمة في سياق الفعل كما الصمت له قيمة في هذا السياق. ويبقى على الإنسان أن يختار بين أن يكون له أذن وفم واحد أو بين أن يتخطى هذه الحقيقة ويكون خارج منطق الأمور.