ماذا تبقى من آثار عدوان الشعيرات بعد تحرير حلفايا؟
| فارس رياض الجيرودي
منذ البدايات وحتى اللحظة، ظل الجانب النفسي والمعنوي يحتل الأولوية في قائمة استهدافات من يديرون من خلف الكواليس في واشنطن تفاصيل الحرب الإرهابية على سورية، فكلنا يتذكر كم تكررت لازمة «أيام الأسد معدودة» على لسان المسؤولين الأميركيين وأتباعهم الأوروبيين والإقليميين، وكم ضربت مواعيد لساعة الصفر لاقتحام دمشق، وكم طرحت سيناريوهات لإقامة مناطق حظر جوي قيل إنه سيجري تطبيقها بواسطة تدخل عسكري للناتو، وسيمنع بموجبها تحليق الطيران العسكري السوري فوق مناطق معينة من سورية، وكان هدف كل هذا وغيره مما لهجت به الآلة الإعلامية المعادية، زعزعة صفوف المقاتلين دفاعا عن الدولة السورية، وإصابة معنويات الكتلة الشعبية الداعمة للدولة السورية بالرعب والإحباط، مقابل رفع معنويات المجموعات الإرهابية.
وبدل أن تكون تلك الأجندة معروفة ومقروءةً لمن يدير المعركة الإعلامية من جانب محور المقاومة، استمر قسم من الإعلاميين المنتمين إلى معسكرنا، محافظين على عادة الوقوع السهل في فخ التشاؤم والإحباط عند كل تصعيد معاد، فكتب أحد مقدمي البرامج المشهورين على قناة، عرفت بسجلها المشرف في دعم سورية ومعسكر المقاومة، مقالا إثر الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات يتساءل فيه: هل تمتلك روسيا ومحور المقاومة حقاً ما يمكن أن يردع المعسكر الأميركي؟ ولماذا يتأخر معسكر الحلفاء في استخدام أوراق القوة إن كان يمتلكها أصلا، وإذا كان لا يخشى الصدام مع واشنطن؟
يمكننا أن نعتبر السؤال السابق مشروعاً فقط لو تناسينا سجل سبع سنوات من مواجهة شرسة، حشدت فيها الولايات المتحدة إمكانيات 180 دولة من أتباعها وحلفائها الدوليين، حضروا الاجتماع الأول لما عرف بمؤتمر أصدقاء سورية، من ضمنهم أغنى دول العالم وأقواها وأكثرها اتصالا بالجغرافيا السورية وقدرة على تقديم الدعم المالي والتسليحي والاستخباري واللوجستي والإعلامي، وعلى إضفاء الغطاء الشرعي الديني على نشاط المجاميع الإرهابية، التي تم التعويل عليها لإسقاط الدولة السورية، حتى تضخمت تلك المجاميع نتيجة لما سبق، وفاقت في حجمها أضعافا ما جند لإسقاط الجيش الأحمر السوفييتي في أفغانستان.
لقد راهنت واشنطن في معركة سورية بكل هيبتها وثقلها المعنوي والمادي، على إسقاط الدولة السورية، لكن سنوات المواجهة الطويلة كانت كافية لإصابة نظام الأحادية القطبية الأميركي الذي كان يدير العالم في مقتل، حتى أضحت الولايات المتحدة عاجزة عن مجرد استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن سورية، وتحولت عبارة «أيام الأسد معدودة» إلى نكتة، بعد أن كان مجرد تصريح من الرئيس الأميركي أو وزير خارجيته عن انعدام شرعية أحد الرؤساء كافيا لحسم الجدل في الدولة سين أو صاد، وإجبار جيشها على التخلي عن قائده، وزعيمها على حزم أمتعته.
لكن الأحداث على الساحة السورية جرت باتجاه معاكس تماما لما توقعته واشنطن وأدواتها الإقليمية، فبدل أن نرى طائرات الناتو تبيد قواعد الجيش العربي السوري وتقطع خطوط إمداده، وتدمر التحصينات في جبهاته، ممهدة الطريق للإرهابيين، رأينا الطيران الروسي يلبي دعوة الدولة السورية للمشاركة في مواجهة خطر الإرهاب العالمي، ويقيم قاعدة جوية روسية تنطلق منها الطائرات يوميا مستهدفة أوكار وتجمعات الإرهابيين، جنباً إلى جانب الطائرات العسكرية السورية، التي كان من المفترض أن تحيد وتخرج من المعركة منذ سنوات عديدة، كما تخيل المؤمنون بلا محدودية القدرة الأميركية، وفي هذا السياق صرح ملك أحد أعرق الأنظمة الوظيفية العاملة في منطقتنا لخدمة الاستخبارات الغربية، الملك الأردني عبدالله بن الحسين لصحيفة «نيويورك تايمز» خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية الأخيرة، معبرا عن خيبة أمله الشخصية وخيبة أمل عموم أتباع واشنطن في العالم من الضعف الذي أظهرته إدارة أوباما للملف السوري قائلاً: إنه والعالم يؤمنون بقوة الولايات المتحدة أكثر مما يؤمن بها أوباما نفسه.
بالمقابل تصاعد الدور الروسي في إدارة ملفات المنطقة حتى تقدم على الدور الأميركي، وفرض الرئيس فلاديمير بوتين اسمه كزعيم قوي وحازم وفاعل في مواجهة خطر الإرهاب العالمي، حتى داخل الأوساط السياسية الغربية نفسها، فوصل الأمر بمراكز القوى في أروقة صنع القرار الأميركي لاستخدام تهمة العمالة لبوتين كأداة لترويض ترامب والقوى التي ساندته للوصول لسدة الرئاسة الأميركية، وهو ما لم يكن متصورا حدوثه على الإطلاق قبل المواجهة في سورية وما نتج عنها.
لقد تراجعت نغمة إسقاط الدولة السورية حتى كادت تختفي، بل إن موجة التفاؤل التي أطلقها العدوان الأميركي على الشعيرات في أوساط أدوات واشنطن في الإقليم واتباعها في العالم، لم تصل هذه المرة حد استعادة معزوفة إسقاط النظام، التي جرى استبدالها بالترويج لفكرة تقسيم سورية، وإقامة مناطق نفوذ فيها، لذلك تداولت الآلة الإعلامية المعادية بسرور وغبطة أخبارا عن استعداد واشنطن لإرسال 50 ألف جندي أميركي للشمال السوري، قبل أن ينفي البنتاغون بسرعة هذه الأخبار، فهل ستؤدي الأنباء عن نشر بضعة آلاف من الجنود الأميركيين بحماية الميليشيات الكردية، إلى إصابة الحكومة السورية وحلفائها بالذعر، وهي التي لم ترتعد عندما وقف أكثر من 250 ألف جندي أميركي، مع خمسين ألف جندي من الدول الحليفة لواشنطن على أبواب سورية عقب سقوط بغداد، بل إن الرد السوري على تهديد وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول كان دعم المقاومة العراقية، حتى تم تصنيف سورية ضمن محور الشر الأميركي وحملتها إدارة جورج بوش الابن، المسؤولية عن كل مفخخة انفجرت بالقوات الأميركية في العراق.
لقد تم استهداف قاعدة الشعيرات الجوية بسيل من أحدث الصواريخ الأميركية التي كانت واشنطن تخيف بها العالم، لكن المطار عمل صباح اليوم التالي، ولم تتمكن التنظيمات الإرهابية من السيطرة على أي موقع أو بلدة جديدة إثر الضربة الأميركية، بل إنها فقدت زمام المبادرة الذي انتقل الى جانب الجيش العربي السوري وحلفائه على مختلف الجبهات: من ريف حماة الشمالي والغربي، لريف حلب الغربي والشمالي، إلى جبهة دير الزور، وصولا لجبهة تدمر وريف دمشق، التي شهدت جميعها تراجعا للمجاميع الإرهابية وتقدما للدولة السورية.
بالمقابل رد حزب اللـه الذي يمتلك خبرة لا تحتاج لتعريف في الحرب النفسية، عبر تنظيم زيارة للإعلاميين للحدود اللبنانية الفلسطينية، ظهر فيها مقاتلو حزب اللـه مع سلاحهم في الجنوب اللبناني علنا على وسائل الإعلام لأول مرة منذ صدور القرار 1701، وشرح أحد ضباط المقاومة اللبنانية للإعلاميين كيف انتقل العدو الصهيوني على جبهة لبنان من الهجوم إلى بناء التحصينات الدفاعية، التي عدد المقاتل اللبناني تفاصيلها، مذكراً الإسرائيليين بسيناريو الرعب الأكبر الذي من أجل تفاديه استعان حماتهم بجموع الإرهابيين لاستهداف سورية ظهر المقاومة وداعمها الأول، لكنهم فوجئوا بعد سنوات الحرب السبع بحزب اللـه، بدل أن يحاصر، وقد توسع أكثر في سورية والإقليم، ليضم إلى صفوف المقاومة عشرات آلاف السوريين والعراقيين الذين يتوزعون اليوم على الجبهات المختلفة في مواجهة الإرهابيين، لكنهم يعلمون أن معركتهم القادمة ستكون مع العدوين الأميركي والصهيوني في العراق وسورية وفلسطين.