هل تنجح أوروبا في منع حرب أميركية عالمية ثالثة؟
| تحسين الحلبي
اختبرت دول أوروبا وفي مقدمها بريطانيا، الإدارات الأميركية في حربين عالميتين حتى منتصف القرن العشرين، فوجدت الدول الأوروبية أن واشنطن لم تشارك في الحرب العالمية الأولى إلى جانب حلف بريطانيا وفرنسا ضد حلف ألمانيا والدولة العثمانية، بهدف اقتسام أراض في أوروبا وفي الشرق الأوسط إلا بعد مرور سنة ونصف على هذه الحرب، وهو ما حدث في الحرب العالمية الثانية، حين قام هتلر زعيم النازية الألمانية وحليفته ايطاليا عام 1939 بحرب احتل فيها دولاً أوروبية كان من بينها فرنسا، وبقصف حليفتها بريطانيا بالصواريخ، فلم تشارك واشنطن في الحرب ضد النازية إلا في عام 1941 بعد أن دمرت الأطراف المتحاربة جزءا كبيراً من قدراتها العسكرية والاقتصادية، لتفرض الولايات المتحدة بعد هزيمة النازية مصالحها واستثماراتها من خلال إعادة إعمار ما دمرته الحرب في أوروبا.
في هذا القرن الواحد والعشرين، يبدو أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يتبنى سياسة أميركية تمهد لزيادة النزاعات، بل تصعيد الدور الأميركي العسكري المباشر فيها في الساحة الأوروبية ضد روسيا وحلفائها، بحجة الأزمة الأوكرانية، وفي الساحة الآسيوية ضد الصين ودول الشرق الأوسط المتحالفة مع موسكو وبكين بحجة الأزمة السورية والمشروع النووي الإيراني والاستفزاز النووي الكوري الشمالي.
فإدارة ترامب تحاول الآن تهديد إيران وسورية في الشرق الأوسط، وكوريا الشمالية في بحر الصين، بشن حرب مباشرة وتهديد روسيا بحرب على كافة منافذها الحدودية البرية والبحرية من خلال حشد قوى حلف الأطلسي الأوروبية في هذه الحرب، وهذا ما أشارت إليه صحيفة «الاندبندنت» البريطانية في العاشر من الشهر الماضي تحت عنوان احتمالات حول الحرب العالمية الثالثة، وركزت فيها على هذه الساحات نفسها، وفي 14 نيسان الجاري طرحت صحيفة «ذا سن» البريطانية أيضاً تساؤلا جاء فيه: «هل يمكن لحرب عالمية ثالثة أن تحدث حقاً»، وتناولت المجلة الأميركية الإلكترونية «ذي نيشينال انترست» الموضوع قبل أربعة أشهر تحت عنوان «خمسة أماكن ربما تندلع الحرب العالمية الثالثة منها» كان من بينها كوريا الشمالية والشرق الأوسط وبحر البلطيق المجاور لروسيا، ومع ذلك يؤكد مسؤولون أوروبيون ومراكز أبحاث أوروبية بأن صورة أوروبا بعد نهاية أيلول 2017 أي بعد نتائج الانتخابات الفرنسية في دورتها الثانية والبريطانية في حزيران المقبل والألمانية في أيلول المقبل، هي التي ستحسم أي احتمالات بوقوع حرب عالمية ثالثة، لأن شعوب هذه الدول الثلاث ستجد أنها الخاسر الأكبر من أي حرب تسعى إدارة ترامب إلى فرضها عليها مهما كانت الأسباب، خصوصاً لأنها حرب قد تنتقل لاستخدام السلاح النووي التكتيكي في أبسط الاحتمالات.
وتقدر أوساط سياسية أميركية أن عدم تعاون أوروبا أو أهم دولها وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مع سياسة ترامب التصعيدية، ستجبر الولايات المتحدة على التخلي عن هذا الخيار، رغم إدراكها بأن الرابح الأكبر من هذا التخلي سيكون روسيا وحلفاءها في الشرق الأوسط والصين وحلفاءها في بحر الصين، في حين سيتراجع دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسعودية في منطقة الشرق الأوسط، مقابل استعادة الدور السوري وتزايد الدور الإيراني الإقليمي في المنطقة.
هذا ما حذر من نتائجه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغادور ليبرمان الذي ينتظر نتائج انتخابات أوروبا بعد خمسة أشهر، معولا على احتمالات أن تشن إدارة ترامب حروبا تصعيدية توظف فيها دوراً إسرائيليا يتشارك فيه مع بعض دول النظام الرسمي العربي في المنطقة.
في الجانب الروسي والصيني، يرى الخبراء العسكريون الروس أن قوة الردع العسكرية التقليدية وغير التقليدية التي تملكها موسكو في أوروبا، وبكين في بحر الصين مع الحلفاء، ما تزال قادرة على إجبار الدول الكبرى الأوروبية على الابتعاد عن المجازفة مع إدارة ترامب التي تريد فرض نظامها الأميركي العالمي على جميع الدول الكبرى، خصوصاً بعد أن شعرت هذه الإدارة أن أوباما لم يستطع تصعيد الأزمة الأوكرانية ولا السورية ولا الكورية الشمالية في مواجهة روسيا والصين.