الفرنسيون يصوتون ضد أنفسهم
| تيري ميسان
بعد حملة انتخابية محمومة جداً، اختار الفرنسيون إيمانويل ماكرون، ومارين لوبان للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذا الانقسام، وبهذا الوضوح عبر تاريخ فرنسا الحديث.
على ضفة، يقف مؤيد للتحالف مع ما يبدو أنها أعظم قوة في الوقت الحالي، الولايات المتحدة، وعلى الضفة الأخرى، تقف حركة تسعى إلى الاستقلال الوطني.
يقف على الضفة الأولى أيضاً، الطبقة الحاكمة بأكملها من دون استثناء ملحوظ، بينما يقف على الضفة الأخرى، حزب مكون من خليط من الاتجاهات والمشارب، معظمهم من طبقة البروليتاريا، ثلثاهم أتوا إليه من اليمين والثلث الآخر من اليسار.
بات واضحاً أن الرئيس الفرنسي القادم لن يكون سوى ايمانويل ماكرون، سليل مصارف عائلة روتشيلد وشركاتها، المدعوم منذ اللحظة من جميع رؤساء شركات مؤشر «كاك 40»، أهم مكونات سوق الأوراق المالية في باريس.
إن اتفق هذا مع أحكامنا المسبقة أم لم يتفق، فإن توافق قوى المال بالإجماع، هو السمة الأساسية لصعود الأحزاب الفاشية، وأغلبية الفرنسيين يعتقدون أن ماكرون سيكون استمراراً لسياسات الرئيسين نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، ما يعني أنهم يتوقعون رؤية بلادهم ذاهبة نحو مزيد من الانحدار، وإنهم يقبلون أن تحل عليهم هذه اللعنة، اعتقاداً منهم أنها تبعد عنهم شبح تهديد اليمين المتطرف.
لم يعد أحد يتذكر أنه في عام 1940، كان ثمة وزير فاشي يدعى الجنرال شارل ديغول، هو الذي رفض هدنة الذل مع ألمانيا النازية، وهذا الرجل، الذي يعتبر الخلف الرسمي للمارشال فيليب بيتان، الذي كان عراب ابنته، رفض الهدنة وأطلق حركة مقاومة تكافح ضد ما تربى عليه، وما تلقاه من أحكام مسبقة، وبدأ يجمع حوله بتروٍ وضد معلمه السابق، مواطنين فرنسيين من جميع الاتجاهات للدفاع عن الجمهورية.
انضمت إليه شخصيات كبرى من اليسار، مثل جان مولان، الذي قبل بضع سنوات كان يختلس سراً الأموال من وزارة البحرية ليشتري بها أسلحة، ثم يقوم بتهريبها لدعم الجمهوريين الإسبان ضد الفاشيين.
لم يعد أحد يتذكر أيضاً أن زميلاً للجنرال ديغول، روبرت شومان، هو الذي وقع هدنة الذل، ثم بعد بضع سنوات، أسس الجماعة الاقتصادية الأوروبية، الاتحاد الأوروبي حاليا، منظمة فوق وطنية تم تصورها وفقاً للنموذج النازي كنظام أوروبي جديد، ضد الاتحاد السوفييتي سابقاً، واليوم ضد روسيا.
لا يوجد ما يدل على أن لوبان قادرة على لعب دور الجنرال ديغول نفسه، لكننا على يقين من ثلاثة أمور:
-مثلما ابتلع البريطانيون اشمئزازهم من الجنرال ديغول عام 1940 واستضافوه على مضض في لندن، يفعل الروس الشيء نفسه الآن بدعمهم لمارين لوبان.
-وكما حصل في عام 1939، حين كان الشيوعيون، الذين تحدوا تعليمات حزبهم والتحقوا بالمقاومة، نادرين، هؤلاء هم حاليا أنصار المرشح جان لوك ميلانشون، الذين يعول عليهم باجتياز هذه الخطوة.
لكن ما إن بدأ الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي، حتى أعلن الحزب الشيوعي تأييده الكامل للجنرال ديغول، وصار أعضاؤه يشكلون الأغلبية الساحقة للمقاومة الفرنسية.
ما من شك بعد الآن في أن ميلانشون سيناضل في السنوات المقبلة، إلى جانب مارين لوبان.
– لن يفهم ماكرون أبداً طبيعة الرجال الذين يقاومون الهيمنة على أوطانهم، وبالتالي فهو لن يفهم شعوب «الشرق الأوسط الكبير»، التي تناضل من أجل الاستقلال الحقيقي، سواء في حزب الله اللبناني، أو في الجمهورية العربية السورية، أو في جمهورية إيران الإسلامية، فحسب، بل لا يتمنى لهذه الشعوب غير الموت.