قضايا وآراء

الخوف يصنع «المعجزات»!!

باسمة حامد : 

 

بالتأكيد، لم يقترح الرئيس فلاديمير بوتين على دول المنطقة (تشكيل تحالف إقليمي ضد الإرهاب) لو لم يكن واثقاً من استجابتها، فكل الأطراف المعنية على ما يبدو أصبحت جاهزة ومستعدة للشراكة مع سورية في قتال «العدو المشترك» تحت عنوان: «محاربة الإرهاب».
وفي ضوء الحراك الروسي الحثيث نحو «المجتمع الدولي» لدفعه تأييد الحوار بين دمشق و«دول أخرى تواجه الإسلاميين المتشددين» كالسعودية وتركيا والأردن.. ومن غير المستبعد أن تتبلور «المعجزة» الروسية الجديدة على أرض الواقع وتصل إلى أهدافها خلال المرحلة القادمة كانعكاس لحجم المخاوف العربية الإقليمية والدولية من انتشار ظاهرة الإرهاب.
وفي هذا الإطار، سيشهد الملف السوري تحولات جذرية مهمة من المنتظر أن تظهر ملامحها على طاولة جنيف3، ومؤكد أنها تحولات إيجابية لعدة أسباب موضوعية أهمها:
– سعي التنظيمات التكفيرية للتوسع وفتح جبهات جديدة تنفيذاً لسيناريو التقسيم المتدحرج بالقوة، مع ارتفاع نسبة المؤيدين لـ«داعش» والمتعاطفين معه إلى نحو 42 مليون شخص وفق تحليل لأربعة استطلاعات رأي عربية وعالمية أجريت مؤخراً.
– مخاوف النظام السعودي ودول الخليج من خطورة بضاعتهم الفكرية الفاسدة (الوهابية المتطرفة وخلاياها النائمة)، وقلق الأردن ومركز عمليات «عواصف الجنوب» من تمدد «داعش» وهو يزحف نحوه ببطء وفق تقرير حديث لمعهد «ستراتفور» الأميركي.
– تخبط حكومة أردوغان حيال تطبيق خطوة «المناطق الآمنة» في سورية بعد الرفض الأميركي لها، وارتباكها من احتمال قيام دولة كردية على حدودها، وقلقها من أن الأمر سيشجع أقليات أخرى في البلاد على الانفصال.
– رغبة الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين باتخاذ قرار جريء بشأن الملف النووي الإيراني، والعمل مع الرئيس الأسد ضد «داعش» على خلفية إخفاق «التحالف الدولي» بالقضاء على التنظيم الإرهابي.
– ومع وجود محاولات «إسرائيلية» للعب على وتر خلاف الدولتين مع «حماس» استناداً إلى الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها سيناء.. ثمة مصلحة مشتركة لكل من إيران ومصر للانخراط بتحالف إقليمي يحارب الإرهاب بشكل حقيقي، وخاصة أنهما متفقتان على ضرورة دعم الحل السياسي في سورية بمشاركة «النظام والمعارضة»، ولديهما علاقات متوترة مع أنقرة وتناهضان «إسلامها السياسي» بقوة.
لكن المفارقة المدهشة في هذا المشهد لا تكمن في كون السياسية «فن الممكن»، بل في كونها انتهازية. منافقة.. متعددة الوجوه والمعايير وبلا مبادئ ولا أخلاق ولا ضمير ولا إنسانية، فالغرب الاستعماري والرجعية العربية والعثمانيين الجدد لم يكونوا مضطرين لقتل وتهجير وتشريد مئات آلاف السوريين وتدمير بلد حافظ على تنوعه الحضاري واعتداله الديني عبر التاريخ كسورية ليقتنعوا بأفضال «النظام» وفوائد صموده بوجه المشروع التكفيري الذي لطالما حذّرهم منه مراراً وتكراراً دون جدوى!!
ويا سبحان من يغير ولا يتغير، فالرئيس بشار الأسد عند هؤلاء القتلة والمجرمين أصبح المنقذ الوحيد لكل من تآمر عليه وعمل جاهداً لإسقاطه ثأراً أو حقداً أو استسلاماً لأجندة «الربيع العربي» و«الفوضى الخلاقة»، وبناء عليه لن يكون «نظامه» بعد اليوم طرفاً «مثيراً للمشاكل» أو «متحالفاً مع داعش»، أو مستبداً وديكتاتوراً أو متسلطاً وطاغية، أو«فاقداً الشرعية» و«على وشك السقوط» و«أيامه معدودة»، بل سيكون «عضواً بالجامعة العربية» على رأي نبيل العربي، وشريكاً فاعلاً في دحر الجماعات المتطرفة باعتباره الركيزة الأساسية لتجميع الطرفين المتنافرين: (مصدّر الإرهاب والمتضرر منه)!!
إنه الخوف من الإرهاب الذي ارتد على صانعيه..
والخوف فعلاً سرّه «باتع» وهو وحده سيصنع المعجزات في الشرق الأوسط!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن