الإعلام السوري تحت المجهر
| د. بسام أبو عبد الله
نجحت وزارة الإعلام السورية في عقد المؤتمر الوطني الأول تحت شعار «حق المواطن في الإعلام»، وبغضّ النظر عن اعتراض البعض على هذا الشعار، وإمكانية استبدال «حق المواطن في المعلومة والمعرفة» به، كما أشار إلى ذلك عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق بطرس حلاق، لكن برأيي فإن هذا المؤتمر كسر جموداً، ورتابة كانت تسود العلاقة بين وسائل الإعلام، والمسؤولين في الدولة، ونقل العديد من القضايا إلى الواجهة من خلال نقاش شفاف ومسؤول غايته محاولة الوصول إلى مقاربات قابلة للتطبيق، واجتراح حلول لأمراض بدت مستعصية في قطاع الإعلام بشكل عام.
عانى الإعلام السوري كغيره من القطاعات الحكومية إرثاً وتراكماً بدا للبعض أنه صعب الحل، وهذا الإرث الثقيل يتمثل بالتعاطي مع الإعلام على أنه عمل وظيفي بيروقراطي، على حين إنه عمل مهني إبداعي يحتاج إلى الموهبة، والمواصفات والمعايير، إضافة إلى التأهيل العلمي، والتدريب المستمر، ولأن الاستسهال طغى في العديد من المراحل على الساحة الإعلامية وتنطح كثيرون سواء بالوساطة أم بطرق أخرى للظهور على الشاشات، أو العمل الإذاعي والصحفي، فقد أدى ذلك إلى ضعف واضح في أداء الإعلام الوطني السوري وإلى هجرة المشاهدين باتجاه محطات تلفزيونية أخرى، لأن معادلة المتابعة للشاشة أصبحت بيد المشاهد الذي يحمل الجهاز السحري ويقرر بثوانٍ ماذا يتابع؟ وأين يتابع؟ ومن ثم فإن الارتقاء بأداء الإعلام السوري هو همّ دائم، وشغل شاغل للعاملين في الوسط الإعلامي، وهو ما يتطلب منهم الاجتهاد والعمل الدؤوب والمستمر للحصول على المعلومة وتقديمها للرأي العام.
لا يستطيع أي مراقب محايد إلا أن يشير إلى المصاعب الكثيرة التي يعاني منها الإعلام السوري، ومنها الحصار المفروض عليه من محور العدوان، وهو أمر يجعل من إمكانية التطوير التقني له أمراً بالغ الصعوبة كذلك وإدخال تقنيات إعلامية حديثة على أدواته، ما يزيد من مصاعب مواكبة التطورات في عالم الميديا، ومع كل ذلك فإن هذا الإعلام تصدى بكل إمكاناته للعدوان على البلاد إذ إن الحرب الإعلامية والنفسية كانت جزءاً أساسياً من هذه الحرب القاسية والفاشية، ولكن ما يؤخذ على الإعلام السوري أن الخط البياني لتطوره خلال مرحلة الحرب كان صاعداً وهابطاً، وليس مستقراً، فقد برز في محطة جنيف مثلاً، وفي تغطية الانتخابات الرئاسية عام 2014، ولكنه لم يبرز في محطات أخرى، ولم يطور من أدواته في شرح وجهة النظر السياسية السورية، أو في تفكيك أدوات محور العدوان «السياسية، الاقتصادية، الإعلامية، النفسية» بطريقة مشوقة وجذابة، واعتمد على الحوارات الطويلة من دون الاعتماد على الصورة البصرية والوثائق والأدلة، ومع كل الملاحظات التي يمكن الحديث عنها مطولاً، لكن لا يمكن إنكار اندفاع الكادر الإعلامي على كل المحاور للتصدي لمهام بدت له في البداية تحدياً جديداً مثل «الإعلام الحربي»، وقدم في هذا المجال تضحيات وشهداء وجرحى، كما تعرض الإعلاميون للتهديد والاغتيال والخطف، من ميليشيات الإرهاب والفاشية، ومع كل ذلك فإن تطوير الأداء الإعلامي هو تحد حقيقي أمام المؤسسات المعنية لجهة اللغة والمصطلح وسقف الحرية في تناول القضايا العامة، والتأهيل والتدريب والاجتهاد والتعب على العمل الإعلامي، وكل هذه القضايا تحتاج إلى عمل مستمر ودؤوب من كل المعنيين.
إن إحدى أهم الأدوات المستقبلية في رصد ردود فعل الشارع على الأداء الإعلامي، هي تفعيل عمل ونشاط مركز استطلاع متطور لبحوث الرأي العام، لأن التغذية الراجعة هي أساسية في معرفة مدى تفاعل الرأي العام مع البرامج الإعلامية ووسائل الإعلام المختلفة بهدف تصويب عملها وتطويرها المستقبلي، ذلك أن الدراسات العلمية المستندة إلى بحوث ميدانية، تعطي صاحب القرار القدرة على تصويب بوصلة العمل الإعلامي وتوجيهها بالاتجاه الذي يخدم القضايا الوطنية والعامة.
لقد شهد هذا المؤتمر نقاشات راقية وشفافة، وأدخل حراكاً كنا نحتاج إليه بين الإعلام وأصحاب القرار، وهو أمر يمكن تكراره بشكل دوري وقطاعي بحيث يكون الأمر مفيداً لصاحب القرار وللإعلاميين، وتكون وزارة الإعلام بذلك قد شكلت جسراً متيناً بين الإعلام والحكومة، بحيث يتحول هذا المنتدى إلى منتدى حواري دائم ينتج أفكاراً واقتراحات وتفاعلاً مطلوباً ودائماً بين الإعلام والناس.
لقد ظهر تحدٍ جديد للإعلام التقليدي متمثل بالمواقع الإلكترونية وبوسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أن التأثير بالرأي العام لم يعد مقتصراً على وسائل الإعلام الحكومية أو الخاصة، الأمر الذي نصح من خلاله المؤتمرون بضرورة قوننة وسائل الإعلام الإلكترونية والترخيص لها، لتحقيق هدفين، الأول: تسهيل عملها، والثاني: مراقبة أدائها، وهو أمرٌ جدير بالتنفيذ، ولكن هناك نقطة أخرى لا توليها الكثير من مؤسسات الدولة عنايتها، وهي ضرورة اعتمادها في الترويج لنشاطاتها وأعمالها من خلال المواقع الإلكترونية الخاصة بها، التي يجب أن تكون المرجعية الوحيدة لدقة المعلومة الخاصة بكل قطاع حكومي، بدلاً من النق الدائم بشأن تقصير الإعلام الحكومي في تغطية نشاطاتهم.
ثلاثة أيام عامرة بالنقاشات والحوارات الجادة والشفافة والصريحة، لأنها الطريق الأمثل لمواجهة التحديات وتذليل الصعاب وتركيب معادلة تبدو صعبة للغاية: «ليس لدينا موارد، ونريد إعلاماً قوياً ومنافساً» ولأن هذه المعادلة معقدة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها سورية، فإن المطلوب ليس عصاً سحرية، إنما عمل جدي ومسؤول يستثمر الموارد لإنتاج إعلام منافس ضمن الإمكانيات المتاحة.
أعان اللـه وزير الإعلام والإعلاميين على هذه المعادلة الصعبة والمعقدة، ولكن آمالنا كبيرة بأن نكون مخلصين لقضيتنا، وأن نعمل جميعاً على مواجهة هذا التحدي الكبير، مع تخفيف «الأنا» القاتلة باتجاه الـ«نحن» البناءة، لأننا جميعاً في قارب واحد اسمه «سورية»، وهو القارب الوحيد لنجاتنا جميعاً.