من دفتر الوطن

خاصرتنا الرخوة

| حسن م. يوسف 

منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي كنت في كل المؤتمرات السنوية والعامة لاتحاد الصحفيين السوريين، أطالب برفع المستوى المهني لزملائي الصحفيين، عن طريق ورشات العمل ودورات التأهيل، وكنت أركز على ضرورة تدريبهم على الكمبيوتر بوصفه أداة متزايدة الأهمية لا في الصحافة وحدها بل في كل ميادين الحياة على اختلافها واتساعها، وقد دفعني إيماني بجدية وخطورة هذا التحدي لتكرار طرح هذه القضية باستمرار، حتى إن بعض الزملاء المحترمين كانوا يتندرون بهوسي الكومبيوتري هازئين!
في مطلع تسعينيات القرن الماضي تقدمت باقتراح لمؤتمر اتحاد الصحفيين يقضي بإقامة ورشة عمل على شكل طاولة مستديرة بعنوان: «الصحافة الوطنية وتحديات العصر الرقمي» وقد كلفني المؤتمر بكتابة ورقة العمل التي ستتلى في مستهل الورشة، وعندما ذهبنا إلى نادي الصحفيين صدمت عندما وجدت أن الطاولة المستديرة التي طالبت بها قد مسخت إلى منبر! ومن يومها قررت أن أكف عن النفخ في هذه القربة المثقوبة، إذ إن العصف الذهني الذي أحلم به لا يمكن ممارسته من فوق المنابر!
لكنني في كل مرة أتراجع عن قراري هذا! على أمل أن يسمع أحد ما صرختي الثامنة بعد الألف، وهذا ما حدث عندما دعاني رئيس اتحاد الكتاب العرب الصديق نضال الصالح للمشاركة في مؤتمر الإعلام (الأول) حق المواطن في الإعلام (!)، بعدها طلب مني الزميل نضال زغبور، دون أن يبلغني أنه هو منسق المؤتمر ودون أن يرسل لي دعوة مكتوبة للمشاركة فيه، أن أوافيه بنص مداخلتي، فكتبت له بضع صفحات قلت في مستهلها:
خلال عملي في الإعلام طوال أكثر من ثلاثة عقود، عقد المديرون العامّون عشرات الاجتماعات «للنهوض بالجريدة وتطويرها وتحديثها»، وقد أطلقنا في تلك الاجتماعات من الأنفاس ما يكفي لتشغيل طاحون هواء لمدة قرن! ولأنني لا أحتمل التكرار، فقد كثفت وصفتي للنهوض بالصحافة بأربع كلمات: «زيدوا القروش، قللوا الرقابة»، إلا أن الإدارات المتتالية كانت تفعل العكس تماماً وقد تحالف معها التضخم بشكل فعال للوصول إلى الكارثة التي نعيشها، فقد تضاعف سعر الجريدة خلال فترة عملي فيها أكثر من ثلاثة وثلاثين ضعفاً، في حين تضاعفت مكافأة المقال ثلاث أو أربع مرات لا أكثر!
المنطق يقول: إن مبرر وجود الإداريين والحبر والورق والمطابع… الخ، هو خدمة الكلمة التي تريد الجريدة إيصالها، لكن الكلمة في صحافتنا تحولت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى خادمة لكل ما سبق، وهي ليست بخادمة موفورة الكرامة ممتلئة البطن… الخ.
بعد هذه المقدمة كرست بقية مداخلتي لتوصيف أوضاع الصحفيين والصحافة عندنا دونما مجاملة.
طلب مني الزميل نضال أن أضيف لورقتي بعض المقترحات فاعتذرت لعدم الضرورة، لأن التوصيف الحقيقي للسلبيات يشير لكيفية التحرر منها.
قبل المؤتمر بعشرة أيام تلقيت من الأستاذ نضال رسالة عبر الفيسبوك غير مسبوقة بسلام ولا تحية هذا نصها: «أرسل لنا cv مختصرة كي نطبعها في بروشور خاص»، والحق أن الرسالة قد استفزتني ونظراً لأنني لم أتلق دعوة رسمية للمؤتمر فقد أجبت الزميل نضال: «السؤال الذي يطرح نفسه لماذا نعامل قضايانا بهذه الخفة؟ لماذا لا تتفضل أنت أو الجهة المنظمة بتوجيه كتاب محترم يحدد طبيعة النشاط وكامل تفاصيله؟ لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما قرر الزميل نضال دون استشارتي (!) أن تكون مداخلتي يوم الإثنين الماضي، وهذا موعد محاضرة لي في حمص متفق عليها مع فرع اتحاد الصحفيين هناك قبل شهرين.
وضعت الزميل نضال في صورة المشكلة وقبل أن يرد علي استيقظت على آلام مبرحة في ظهري، ما اضطرني لتوجيه كتاب اعتذار رسمي عن حضور المؤتمر، وطلبت من ابني أن يأتي من دمشق كي يقود سيارتنا إلى حمص لأن وضعي لم يكن يسمح لي بالقيادة.
أحد الإعلاميين أبلغني أن الزميل زغبور كان يعنيني عندما قال في حوار مع الإعلامية القديرة هيام حموي على هواء «شام إف إم» ما معناه «إن المواطنين استجابوا للمؤتمر والإعلاميون قاطعوه، لأن الورم كبران لدى البعض بحيث يرون أنهم أهم من كل شيء».
السؤال الذي يفرض نفسه عند هذا الحد: من هم هؤلاء «البعض» حقاً؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن