أدب الرّياض والأطفال والفتيان … د. سمر روحي الفيصل: تحتاج كتب الأطفال إلى عمل جماعي لأن هذا الإنتاج مسؤولية المجتمع
| سوسن صيداوي
شخصية المرء في تكوينها وبنائها تسير بمراحل نمو فكري وجسدي واجتماعي وعاطفي وغيرها من العوامل التي تجتمع في هذا التشكيل، وصحيح أنه لا يمكننا القول إن هناك مرحلة في حياة المرء تكون دقيقة أكثر من الأخرى، لأنه يحتاج في كل مراحل سنيه إلى الإرشاد والتوجيه والرعاية والنصح، ولكن اليوم الحديث عن أولى المراحل التي تحتاج إلى كل ما يمكن من مساعدات كي يتم تأسيس الطفل بالشكل الصحيح، ولأن الأدب له دوره الفاعل جداً في توجيه فكر الطفل وإثمار خياله، صدر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب «أدب الرّياض والأطفال والفتيان» للدكتور سمر روحي الفيصل، متضمنا الكتاب ثلاثة أقسام: أولها للرّياض، وفيه ثلاثة فصول، تبحث في الخصائص اللغوية والأدبية والتربوية، والكتابة الأدبية، وأشكال المسرح وأنواعه في هذه المرحلة. ثانيها للأطفال، وفيه ثلاثة فصول، تبحث في ترجمة أدب الأطفال، وقضية الخيال والتخييل فيه، ونماذج من البحوث والكتابات الأدبية والخاصة به. وثالثها للفتيان، وفيه فصلان يبحثان في الخصائص اللغوية والفنية والنفسية- الاجتماعية، فضلا عن الكتابة للفتيان، وخصوصاً قضية الموسيقا البارزة في الشعر المسرحي المقدم لهم.
في المقدمة
حرص الكاتب د. سمر وتشبث في الأقسام الثلاثة لكتابه، بأن تكون قضية طرح القيم أساسية في المعالجة والهدف، وخصوصاً الطرح الضمني بدلا من الطرح الوعظي المباشر الذي ينفّر المتلقي ولا يساعده على التحلي بهذه القيم، حيث قال في مقدمة كتابه: «حاولت في هذا الكتاب، أن أطرح التكامل إيحاءً وتصريحاً، وجعلته هدفاً لي، لعله ينبه على النقص الذي نعاني منه، وهو إهمال التأليف لمرحلتي الطفولة المبكرة والمراهقة، والاهتمام الواضح بالمرحلة المتوسطة بينهما، بين السادسة والثانية عشرة؛ تلك المرحلة التي اعتدنا تسمية أدبها (أدب الأطفال). وقد آن الأوان لتعديل هذا الاتجاه الأدبي غير الشامل، بحيث نحقق التوازن الأدبي في التأليف للمراحل الثلاث فنقدم لمرحلة الرّياض أدبا خاصا بها، يضم نصوصا تعرّف الأطفال الصغار بالحياة حولهم، غناء وأداء وسردا، وتغرس فيهم القيم، وتدمجهم في الجماعة وإن صغرت، وبين الأتراب وإن قلّ عددهم. كما تساعدهم على تفتّح مواهبهم الكامنة وعلى أن يعيشوا في الرّياض أياما جميلة يتعلمون فيها من خلال اللعب والغناء والتمثيل والمحاكاة. وعلينا أن نحرص في أدب الفتيان على عدم الاكتفاء بالألغاز والمغامرات، فنقدم لهؤلاء المراهقين الذين يمرّون بأكثر مراحل حياتهم دقة وخطراً وتفتحاً، السير العلمية والتاريخية بأسلوب قصصي، ونعرّفهم بأحوال رجالات أمتهم في الماضي والحاضر، ونزج بهم في تقنيات العصر ومخترعاته وتخيلاته، ونعرض عليهم الحياة بحلوها ومرّها، ونشجّعهم على الرحلات والاكتشافات والاعتماد على الذات، وغير ذلك من الأمور التي تهيئهم لمرحلة الرشد، وتبرز مواهبهم، وتعدّهم ليكونوا مواطنين صالحين نافعين قادرين على الإسهام في نهضة مجتمعهم وأمتهم».
في الجانب الفني للكتاب
من البديهي أن يهتم هذا الكتاب بالجانب الفني في الأدب، وينقده، ويدقق في نماذجه، ويطرح أحكام قيمة منهجية فيه، فضلا عن ترسيخه الجانب الجمالي في هذا الأدب؛ لأنه وحسب الكاتب، يرتقي بأحاسيس الطفل والمراهق، ويجعلها مرهفة كما جعلتها القيم إنسانية تحب الخير وتعمل من أجل تحقيقه. ولهذا كله فصل القول في الموسيقا الشعرية وفي حبكة القصص وشخصياتها وحوارها وفي أثر الخيال في حياة الطفل والمراهق، وطبيعته في الأدب المقدم لهما، وغير ذلك من الأمور الفنية التي تختلف من مرحلة إلى أخرى. معتبرا في مكان آخر أن التكامل بين هذه الآداب الثلاثة يحتاج من الأديب إلى نصوص متكاملة أيضاً. ذلك أن النظرة الأدبية السائدة تنطلق من اختلاف هذه المراحل، وحاجة كل مرحلة إلى أدب مغاير لأدب المرحلة الأخرى ليس غير ذلك. وهذا المنطلق صحيح، لكنه غير دقيق، ويقول «الانطلاق من اختلاف هذه المراحل يقود إلى ضرورة تقديم أدب صالح لكل مرحلة على حدة، تبعا لاختلاف مرحلة النمو اللغوي والاجتماعي والانفعالي؛ وللتباين في تلقي الأدب. غير أن الاكتفاء باختلاف المراحل حجب عن الأدباء الحاجة إلى تقديم أدب متكامل. فما يطرحه الأدب في كل مرحلة يجب ألا يناقض ما يطرحه في مرحلة أخرى، وإنما عليه أن يكمله، ويرسخه، ويرتقي به. وأبرز الأمثلة على موضوع التكامل وأكثرها خطراً قضية القيم. ذلك أن القيم التي يغرسها أدب الرياض في مرحلة الطفولة المبكرة، يجب أن تتكامل مع القيم التي يطرحها أدب الأطفال، ثم مع القيم التي يطرحها أدب الفتيان، إذا أردنا تقديم منظومة من القيم تتكامل ولا تتناقض تعزز ما سبقها ولا تنفيه، تعمل على بناء شخصية سليمة متوازنة قادرة على التكيف، ولا تسهم في بناء شخصية عصابية متناقضة متمردة على الأخلاق والقوانين. وإلا فإن الأدباء سيبقون يعملون في دوائر مغلقة، تفتقر إلى النظرة الكلية الفلسفية التي نحتاج إليها في الفن والمجتمع والوطن؛لأنها تسهم في تربية الإنسان بوساطة الفن وتفهم الأدب على أنه مزيج متقن من الفن والتربية».
طفل العالم واحد
تبدأ شخصية الطفل تتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة، وتملك الأسس التي ستسير عليها في حياتها القابلة، تروح مرحلة الطفولة التالية تضيف إلى مكونات الشخصية قدرا من المعايير والقيم والمعارف. ثم تتفتح هذه الشخصية على الحياة الاجتماعية في مرحلة المراهقة وتشرع تبحث عن إمكاناتها الخاصة، وموقعها في الأسرة وبين الأتراب، وتتجه بانفعالاتها وتمردها وتطلعاتها إلى مرحلة الرشد. ولكن طرح الكاتب في مؤلفه نقطة جد مهمة وهي أن الطفل هو واحد وهو يمر بمراحل النمو الانفعالي واللغوي والعقلي والاجتماعي التي يمر بها أي طفل وفي أي مكان في العالم، ولكن ما يختلف فيه الطفل العربي عن طفل الدول المتقدمة، يقول «أطفال العالم إذاً، موحدو السمات والحاجات والرغبات، لكنهم مختلفون أيضاً اختلافا واضحاً في تفتّح شخصياتهم، ونمو قدراتهم، وتلبية حاجاتهم ورغباتهم، تبعا لاختلاف البيئات التي يعيشون فيها. فهناك بيئات مملوءة بالمثيرات التي تساعد شخصية الطفل على التفتّح، وأخرى فقيرة بالمثيرات، لا تساعد شخصية الطفل على التفتح السليم. والنتيجة البديهية أن شخصية الطفل في الدول المتقدمة أكثر تفتحا واندماجا في المجتمع، وأقل عقدا وإحباطات من شخصية الطفل في الدول المتخلفة النامية. ويمكن القول من هذه الزاوية إن الطفل العربي لا يتعلم كيف يفكر، ولا يعد الإعداد السليم للنمو والتعلم المستمرين، ولا ينضج النضج الاجتماعي والانفعالي الكافي لمواجهة التحديات في مراحل الشباب والرجولة والكهولة».
ضرورة العمل الجماعي
اعتبر د. سمر روحي الفيصل أن العمل مع الأطفال والمراهقين أكثر متعة من العمل مع الكبار، لكن هذه المتعة لا تملك جمالها الخاص ما لم يتعرف الأديب طبيعة كل مرحلة من المراحل الثلاث، والمستوى اللغوي للمتلقي في كل منها. متابعاً إنه ليس من العسير أن نصل إلى هذه المعرفة والمتعة إذا تركنا الارتجال، وبدأنا نتمسك بالعمل العلمي المنهجي، وإن كنا في حقل الأدب والنقد، قائلا «هذا النموذج يعاني الحاجة إلى التدقيق في القيم التي تطرح في النصوص المقدمة للأطفال، وخصوصاً طريقة طرح هذه القيم بالأسلوب الضمني غير المباشر. كما لاحظنا الحاجة إلى العمل الجماعي في إنتاج كتب الأطفال؛ لأن هذا الإنتاج مسؤولية المجتمع. صحيح أن الكاتب الأديب فرد، لكنه في إنتاج أدب الأطفال فرد ضمن جماعة، للفنان فيها رأي، ولعامل الطباعة رأي، وللغوي رأي. ولا يجوز في الحالات كلها تغليب رأي على آخر إلا إذا كان هذا الرأي أكثر صلاحية لكتاب الطفل. وهذا العمل الجماعي يعيننا من جانب آخر على التخلص من المشكلات السائدة في الكتابة للأطفال العرب، كمفاهيم استدعاء التاريخ، وكتابة سير الأبطال والفاتحين، وتنمية الخيال، فضلا عن الأنسنة والترجمة وتعريف الطفل بالحياة حوله».