المسؤولون ليسوا بشراً!
| عبد الفتاح العوض
هذا ليس دفاعا عن المسؤولين وليس كذلك نقدا لهم، بل هو مجرد وصف واقع نعيشه أقل ما يمكن أن نقول عنه إنه خطأ يولد من رحم خطايا كثيرة.
يتم التعامل مع المسؤول إما ملاكاً وإما شيطاناً!
عندما يكون المسؤول في موقعه يكاد يكون واحدا من المبشرين بالنعيم، وما إن يخرج من منصبه حتى يصبح قريبا من النفي الاجتماعي.
عضو قيادة قطرية سابق، منع بعد إعفائه من منصبه، من أن يكون في مجلس أمناء الجامعة التي أنشأها حزب البعث.
وزير سابق تم إبلاغه عن طريق المحامي العام، ضرورة إخلاء منزل للحكومة خلال 24 ساعة.
ولدي كثير من الأمثلة عن هذا النوع من التعامل لعل آخرها إلغاء ترخيص مركز لوزير التنمية الإدارية السابق حسان النوري الذي كان قبلاً مرشحاً رئاسياً، من قبل معاونته التي كانت تتقاضى أجوراً عالية من المركز.
في كل ما يجري في التعامل مع المسؤولين يؤكد فكرة اللون الواحد، إما أسود وإما أبيض، إما شيطان وإما ملاك، عبقري أو غبي، جميل أو قبيح، غال أو رخيص، مؤمن أو كافر!
الثنائيات التي تساعد حالة الاصطفاف، إما معه وإما ضده.
هذه المسألة ليست مجرد حالة عارضة وهي سلوك مجتمعي له تفسيره وليس تبريره.
من حيث التفسير فإن العقلية القبلية تقوم على فكرة واحدة، أنت من القبيلة أو ليس منها ولا شيء آخر، إن كان من القبيلة فهو مثال للصفات الحميدة وإلا فمعلقات شعراء الهجاء جاهزة.
هذا له علاقة بالإرث الفكري الموجود في الجينات التي حولت كل الخلافات الفكرية والصراعات السياسية إلى طوائف متناحرة وفرق متقاتلة.
لكن التفسير الأقرب إلى واقعنا هو اعتبار المنصب مقياس رضا السلطة عن الشخص، ترمومتر الرضا هذا يعني إذا تم استبعاد شخص ما من منصبه فهذا يعني عدم الرضا عنه وبالتالي ينعكس ذلك بسرعة على النفاق العام، ويصبح من الواجب «الوطني» تعداد مثالب المبعد وبالعكس عندما يتم استقدام شخص ما ولو كان مجرد «مستحاثة» فقد يتحول عند البعض عن مزايا كامنة لا ترى بالعين المجردة وتحتاج إلى عقول مجهرية حتى تلتقط إبداعاته!
ثالث التفسيرات الممكنة، أن بعض الأشخاص تتغطى عيوبهم بالكرسي، يكون المنصب نوعا من قلعة الحماية التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، ولهذا تجد كثيراً من الفضائح لا تقال عن الأشخاص وهم على رأس عملهم، إلا أنها تصبح على كل لسان بعد خروجهم من مناصبهم.
كل ما قلته يشكل تفسيرا لا تبريرا، وإن كنتم توافقونني الرأي فهذا ليس انتقاداً للمسؤولين بقدر ما هو انتقاد للمجتمع الذي لا يتعامل مع المسؤولين بحدود قدراتهم البشرية التي قد تكون جيدة في مجال وسيئة ومحدودة في مجال آخر، أما عن اختيارهم ومعايير اختيارهم ففي ذلك كلام كثير وخطير.
أقوال:
كيف يكون الأطفال في غاية الذكاء والرجال في غاية الغباء؟ لابد أن السبب هو التعليم.
أنا من قوم إذا حزنوا
وجدوا في حزنهم طربا
وإذا ما غاية صعبت
هوّنوا بالترك ما صعبا