شؤون محلية

القضاء

| نبيل الملاح

أتابع في هذا المقال الحديث عن القضاء، فهو ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين، ومن خلاله نصل إلى الحق والعدل الذي من دونه لن تستقيم الحياة، ومن دونه لن تبنى دولة ومؤسسات.
والقضاء هو في الأساس مؤسسة من مؤسسات الدولة، لكنها المؤسسة الرافعة لجميع مؤسسات الدولة الأخرى، وهو سلطة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية؛ بل هو أهم سلطة من هذه السلطات لأنه الحامي والضامن لتطبيق القانون وإنفاذ أحكامه. فهو مؤسسة وسلطة في آن واحد يجب إعطاؤها المكانة التي تستحقها لتتمكن من القيام بدورها في بناء الدولة وحماية المجتمع.
إن الشوائب التي لحقت بالقضاء وأساءت إلى سمعته أصبحت واقعاً مريراً لابد من التصدي له لإزالة هذه الشوائب بجدية وحزم وسرعة منعاً لتطورها وأن تصبح أمراضاً مستعصية يصعب أو يستحيل معالجتها. وما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي عن وقائع تجري في بعض المحاكم؛ يدعو إلى ضرورة التحقق منها واتخاذ الإجراءات العاجلة لمساءلة ومحاسبة المسيئين والفاسدين.
تقع على عاتق مجلس القضاء الأعلى مسؤولية إيجاد الصيغ والآليات الناجعة لمراقبة أداء القضاة والعاملين في مختلف دوائره، وكذلك إعادة تأهيلهم قبل انتقالهم إلى الدرجة والمستوى الأعلى لزيادة علومهم ومعارفهم وتوحيد فهمهم لصحيح القانون.
وإن هذه المسؤولية تتطلب عملاً وجهداً كبيراً ومستمراً؛ لابد أن يكون ممنهجاً بهيكلية عملية تستطيع تنفيذ قرارات وتوجهات مجلس القضاء الأعلى بدقة وأمانة.
وأقترح في هذا السياق إحداث إدارة مستقلة تتبع مجلس القضاء الأعلى باسم «إدارة المتابعة والتأهيل والتدريب» تتولى المهام التالية:
– متابعة تنفيذ القرارات التي تصدر عن مجلس القضاء الأعلى ورفع تقارير عن مدى تنفيذها والمعوقات التي تظهر.
– متابعة عمل وأداء القضاة من خلال الاستعانة بالقضاة الكبار المتقاعدين الذين ما زالوا قادرين على العطاء للقيام بمراجعة الأحكام الصادرة عن القضاة وتقييمها، وذلك في إطار خطة يقرها مجلس القضاء الأعلى.
– الإشراف على المعاهد التابعة لوزارة العدل.
– إقامة الدورات التأهيلية والتدريبية في إطار الخطط والسياسات التي يضعها مجلس القضاء الأعلى؛ والاستعانة بكبار القضاة القائمين على رأس عملهم والمتقاعدين وكبار رجال القانون.
– التنسيق مع المكتب الفني بمحكمة النقض بما يؤدي إلى تفعيله وتكامله مع إدارة التشريع فيما يخص استخلاص القواعد القانونية التي تقررها المحكمة وتبويبها وتفسر النصوص القانونية الغامضة والملتبسة، وجمعها وترتيبها وطبعها وتعميمها، وإدراجها ضمن برامج الدورات.
ويرأس هذه الإدارة أحد معاوني وزير العدل ويكون عضواً في مجلس القضاء الأعلى.
إن الواقع يظهر الحاجة الماسة لتطوير عمل القضاء وتجاوز ثغراته وعثراته، وهذا يدعونا إلى الوقوف أمام بعض هذه الظواهر السلبية.
لابد أن يدرك القاضي أن سلطته ليست مطلقة له؛ فعليه أن يلتزم بالقانون نصاً وروحاً وألا يخرج عن غاية المشرع وقصده، وإن تفسيره النصوص القانونية خلافاً لذلك يجعله مرتكباً «خطأ مهني جسيم» وإن تكرار ذلك يدفعنا للسؤال: هل القاضي الذي يرتكب خطأ مهنياً جسيماً أكثر من مرة يصلح أن يكون قاضياً؟
وإن قوة القاضي وسلطته تأتي من خلال سعيه لإحقاق الحق وإقامة العدل، واحترامه للكرامة الإنسانية التي يشكل القاضي رافعة أساسية لها.
أنتقل إلى وضع الكتاب والمساعدين العدليين ومأموري التنفيذ؛ لأقول: إن وضعهم بحاجة إلى إعادة نظر ومراجعة وتقييم؛ فمعظمهم غير مؤهلين التأهيل اللازم، وبعضهم لا يصلح من الأساس أن يكون كاتباً ومساعداً عدلياً لعدم إلمامه بأبسط قواعد اللغة العربية ورداءة حظه ويظهر هذا بوضوح في محاضر الجلسات.
وإن الاهتمام بهؤلاء لا يقل أهمية عن الاهتمام بالقضاة، منهم المعنيون بصورة مباشرة بالإجراءات القضائية وتنفيذ الأحكام القضائية التي تأخذ وقتاً طويلاً لا مبرر له.
وضمن إطار السعي لتحقيق شعار «نحو قضاء عادل وسريع» لابد من الإشارة إلى الثقافة السائدة لدى الكثير بحق المحامي بالدفاع عن موكله بأي طريقة أو أسلوب متاح له؛ مستغلاً بعض الثغرات والغموض في النصوص القانونية.
لا يجوز أبداً أن يكون هذا الحق مبرراً لتجاوز مفهوم الحق والعدل وإهدار حقوق الآخرين وتعطيل وإعاقة تنفيذ الأحكام القضائية، وإن ما أجازه قانون ممارسة مهنة المحاماة جاء للدفاع عن أصحاب الحقوق وليس للدفاع عن الذين يعتدون على حقوق الآخرين ويغتصبونها.
وفي هذا السياق تأتي أهمية وضرورة إعادة النظر ببعض أحكام قانون أصول المحاكمات، لإزالة الالتباس والغموض الذي يؤدي إلى فسح المجال للتفسيرات والاجتهادات التي قد تأتي خلافاً لقصد المشرع وغايته.
أختم بالتأكيد على أن القضاء ملاذ الجميع، وعلى الجميع أن يسهم في إصلاحه وتطويره، وأن يكون في أول سلم ا لأولويات بصدق وأمانة.
والعدل هو أساس الملك، وهو جوهر الحياة وأساسها.
باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن