ثقافة وفن

«تشيللو».. إيقاع بطيء نتيجة مطّ فكرة الفيلم المُستنسخ…هل نضبت المخيلة العربية؟ وأيّ واقع تعكسه دراما مقتبسة من أفلام أفرزها المجتمع الأميركي؟

وائل العدس : 

تتمحور قصة مسلسل «تشيللو» حول سطوة النفوذ والمال على الحياة الاجتماعية، هذان العنصران اللذان يظهران عاملين ضاغطين على مسيرة هذه الحياة، فيبدو المرء محاصراً بين القيم الأخلاقية من جهة وقسوة متطلبات الحياة من جهة أخرى.
وتدور الحكاية في الحياة المعاصرة حيث المال العصب الأساسي في هذه الحياة. فحتى الحب، ذلك القيمة النبيلة، يصبح مهدداً بسبب المال. فهل يستطيع هذا الأخير تهديد الحب بشكل مباشر؟

هذا السؤال هو محور المسلسل، فآدم وياسمين توحدا عشقاً وتمسّكاً ببعضهما رغم كل العقبات والمشاكل، وزاد في تعلقهما المشترك مشروعاً اقترحه آدم وهو مشروع المسرح الغنائي المعاصر الذي شكل لهما ولحبهما الصامد عامل الأمان والاستمرار في هذه الحياة. فيخططان له جيداً ويتقدمان إلى أحد البنوك ليقترضا مبلغاً يبدأان به كرأس مال بضمانة رهن عقار هذا المسرح ريثما ينطلق ويُثمر. وفي واحدة من أسوأ المصادفات وقبل افتتاح المسرح بقليل يلتهمه حريق ليواجها قدراً هو أكبر من إمكانياتهما. فيبدأان بالبحث عن قارب نجاة، حتى وصلا لأن يتخذا قراراً ببيع آلة تشيللو أثرية قيمة كانت ياسمين قد ورثتها من أستاذهما عسى أن يؤمن لهما ثمنها بضعة أقساط من القرض.
ليس مصادفة أن يكون تيمور تاج الدين في مزاد بيع هذا التشيللو. فهو زبون معروف هناك، وهو رجل أعمال كبير ذو كاريزما عالية يعتمد في عمله على مراقبة مسيرة الشركات المتعثرة، ويقوم بشرائها وتصفيتها وبيعها، وأحياناً إعادة تشغيلها ضارباً عرض الحائط بالقيم الإنسانية ما دام تصرفه قانونياً، فهو يعرف ما يريد ولا يأخذه إلا بموافقة من يطلب منهم ولو استعمل أشد الأساليب القانونية قسوةً وإجباراً.
وفي حفلةٍ موسيقية خيرية ريعها للأيتام، يلتقي تيمور بياسمين التي سحرته من أول نظرة ما دفعه لأن يقتحم حياتها بالمال والنفوذ اللذين يشحنان قواه الشخصية، لكنها وبطريقة ضمنية أخبرته بأنها ليست للبيع. وعلى الرغم من التقاء نظراتهما بالعديد من المرات، والمصادفات التي افتعلها تيمور، إلا أن ياسمين كانت تُرسل له إشارات أنها زوجة لمن تعشق وعليه الابتعاد عنها، فقد كانت تبالغ في إظهار حبها لآدم لكي تتحصن من إغواءات تيمور، وهنا يبدأ الصراع.
وفي يوم المزاد وبعد أن خاب ظنهما بالمبلغ الزهيد الذي حصلا عليه مقابل بيع التشيللو، يقدم لهما تيمور عرضاً يقع عليهما كالصاعقة بأن يقضي ليلة مع «ياسمين» مقابل مليون دولار.
«تشيللو» قصة حب ثلاثية بشرطٍ استثنائي، تجذب المشاهد ليتحول من مراقبٍ إلى مشارك فتثير أسئلة غير متوقعة مع تصاعد الأحداث، من بطولة تيم حسن، نادين نسيب نجيم، يوسف الخال، كارمن لبس، أيمن عبد السلام وغيرهم، من تأليف نجيب نصير وإخراج سامر البرقاوي.

مشهد غريب
خلال أحداث الحلقة الثانية، عُرض مشهداً غريباً حينما شعرت البطلة بآلام في معدتها، وذهبت لتضع علامة باللون الأحمر على تاريخ اليوم، ثم قامت بأخذ «فوطة صحية» وذهبت بها إلى الحمام.
كل هذا المشهد من أجل أن يفهمنا المخرج أن موعد الدورة الشهرية جاء لدى «ياسمين»، ولكن بعد أن فهمنا ذلك، ما الإضافة لسياق الأحداث؟.
المعنى الذي أراد المخرج إيصاله هو أنها ليست حاملاً من زوجها لكنه كان يستطيع فعل ذلك بمشهد أقل حرجاً.
اللافت أن المخرج اعتمد على مشهد آخر في الحلقة التالية ليؤكد به عدم حملها حيث ظهرت وهي تتحدث مع صديقتها وتخبرها بأنها ليست حاملاً، فما قيمة المشهد الأول إذاً؟.

نجومية مستحقة
أجمل ما في العمل أنه أفرز لنا موهبة سورية واعدة بدأت تتسلق سلم النجومية بخطا ثابتة عن جدارة واستحقاق.
أيمن عبد السلام الذي برز كوميدياً العام الماضي بـ«ضبوا الشناتي»، يتألق اليوم بمسلسل اجتماعي إلى جانب كبار النجوم، وكرمى لعيون «تشيللو» اعتذر عن عدة عروض درامية وسينمائية، ونجح في رهانه.
ويأتي دور عبد السلام محوريّاً لكونه الشخصية التي تجمع بين الأبطال الثلاثة، فهو المحامي الذكي والمستغل وصاحب القلب الطيب ولكن الذي يرغب باقتناص الفرص ولو على حساب مبادئ المجتمع التي يراها غير ضرورية في بعض المواقف.

دراما مقتبسة
«تشيللو» من بين المسلسلات الأكثر متابعة هذا العام، وإن اعترته هنات وهفوات تتمثّل أولاً في إيقاعه البطيء نتيجة مطّ فكرة الفيلم المُستنسخ.
لكنّ صنّاع الدراما لن يعيروا اهتماماً لغير (نسبة المشاهدة)، وهي تعكس بدورها إقبالاً واسعاً من مشاهدين يهتمون بأسماء النجوم أكثر من القصة ذاتها.
ولا بد من الإشارة أن صنّاع العمل اعترفوا باقتباسه من فيلم أجنبي هو «عرض غير لائق»، لكنّهم لم يشتروا الحقوق ولم يأخذوا إذناً لاستخدامها من مالكها الأصلي، الروائي الصهيوني جاك انغلهارد، الذي لا يعرف أغلب متابعي المسلسل أن العمل مقتبس من روايته التي تحمل اسم الفيلم نفسه، المنتج عام 1993.
هنا نطرح عدة أسئلة: هل نضبت المخيلة العربية؟ هل اندثرت المواهب الإبداعية؟ هل انعدم كتّاب السيناريو المحليون؟ أي واقع تعكسه دراما مقتبسة من أفلام أفرزها المجتمع الأميركي في تسعينيات القرن العشرين؟.
بشكل عام كثرت سنوياً الدراما التلفزيونية المقتبسة من الأعمال العالمية، وتبلغ ذروتها في رمضان الحالي مع أعمال مثل «تشيللو» و«العراب» و«نادي الشرق»، وعلى الرغم من أن الاقتباس لا يعد حدثاً طارئاً، ومع أن المخزون الأدبي والإنساني الكبير في عالمنا العربي، ولكنه حالة تسير دوماً بحدين بين النجاح في إسقاط الحالة المحلية أو الفشل في ذلك، وبين الالتزام بشروط الاقتباس الفني باحترام حقوق أصحاب الملكية الفكرية الأصليين، وبعدم التخطي إلى «النسخ واللصق»، الأمر الذي يفتح السؤال مجدداً حول أسس الاقتباس وحدوده ودوره ووظيفته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن