اقتصاد

بيان الحكومة «يتقلّب»!

| علي هاشم

مشيحة بوجهها عن حلبة المطارحات الفكرية التي استمرأ «فريقنا الاقتصادي» خوضها، كبدت بياناتنا التجارية الحكومة خسائر معنوية في عقر شعاراتها على مرمى حجر من عامها الأول، وأثارت الشكوك حيال نجاعة نصلنا في نحت الكوة اللازمة لتهريب التدهور المزمن في مؤشراتنا الاقتصادية.
فوفق بياناتنا الرسمية، انزلقت صادراتنا بما لا يقل عن 20% خلال الربع الأول من 2017 قياسا بسابقه!!.. تبدو النسبة كافية لجعل البيان الحكومي يتقلّب في قبره، فمع انتفاء الدلائل على تدفق سلع وطنية جديدة إلى أسواقنا، والتزايد الكبير في عدد إجازات الاستيراد التي رأى فيها وزير الاقتصاد مصدر فخر خلال الاجتماع الحكومي الأخير، وبإضافة ما أكده التجار أن قرار التوسيع في استيراد الكماليات بات على طاولة الحكومة، يتلمس المرء الطبيعة الفريدة لخططنا الاقتصادية التي «عشمتنا بالحلق، فخرّمنا آذاننا» سدى!
البيانات التجارية اللئيمة هذه لم تهبط من كوكب آخر، بل نبتت من أرضنا بعدما بذرها «فريقنا الاقتصادي» بأدائه الرثّ، وها قد حان حصاد ما اقتُرف من تسويف في إطلاق الإنتاج صغيره ومتوسطه وكبيره، ففي عجالة تأشيرية، إنما تثير «نيّة» الحكومة المستجدة تخفيض رسوم مواد الإنتاج الأولية وتخصيص ميزانيات لدعم المشاريع الصغيرة، التساؤل بأكثر من التفاؤل حال ربطها بما سبقها بنحو الشهرين من إعفاء الآلات وخطوط الإنتاج، وقبله بنحو الثلاثة لدى إعفاء الصادرات.. كل ذلك، إنما يثير انطباعا بأن التجريب هو خطتنا الوحيدة، وأن القرارات ذات الصلة بالإنتاج لا تحتكم إلى قراءة موضوعية شاملة متّسقة في خطة للنهوض، بل مجرد هبّة عرب تتمدد وتتقلص تبعا لمصادر الحرارة الخارجية!
ليست بياناتنا التجارية آخر الحال السيئ، إذ إن محاولة اختلاق غيوم من قبيل «زيادة إجازات الاستيراد للمواد الأولية» تدعيما للاعتقاد أنها ستمطر إنتاجا قريبا، إنما يفتضحها عامل الزمن الممتد للأشهر الـ11 الأخيرة، فلو كان ثمة غيوم بالفعل، لكانت أمطرت إنتاجا كافيا لتبريد قسط من سخونة موازيننا التجارية.. في الواقع، ثمة ما يشبه الطرفة اللطيفة التي سنذرف لها الدموع لاحقا، إذ كيف لها أن تمطر وبعضنا ما يزال قابعاً في قاعة انتظار استئناف القروض الاستثمارية بينما آخرون يتقلبون في غرفة مخاض التعريف العبقري للمشاريع الصغيرة والمتوسطة!
وانسجاما مع دفء علاقتها المتصاعد مؤخرا، يسهل توقع -ثالثة الأُثافي- بعد مصادقة الحكومة على رغبة التجار بـ«التوّسع» في استيراد الكماليات، لكن يصعب تصور المدة التي سيتمكن خلالها المصرف المركزي من شراء التضخم قبل أن ينال الإرهاق من خزائنه في ظل المحدودية البادية لموارده من القطع.. والحال كذلك، فلربما يجدر بذوي الاستهلاك المحدود الاستعداد لملاقاة ما أضحى مورّثة حكومية أصيلة تتناهبها أجيالها المتعاقبة لضخ جرعة تضخم مناسبة في سياق رحلتها التقليدية نحو خلق «السعر التوازني لليرة»!
من سوء حظ الحكومة الحالية، لم يعد في جيوب المستهلكين -وذوي الدخل المحدود أولا- من طاقة على شراء التضخم لترقيع الإخفاقات الاقتصادية بعدما أتت -حكوماتنا المتعاقبة- على قدرتها.. جيوب متعبة، يكاد المرء ينقلب على ظهره ضحكا لدى تخيّل حاجبي حكومتنا المقطبّين ساعة تمد يدها إليها!
هذه المرة ليست الحرب، مجرد «نحن» المسؤولون عن إنتاج وطني لم يتزحزح من حضيضه رغم ما يقام على شرفه من حلقات دبكة لم تعد كافية لاستثارة همة المنتجين!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن