سورية

إستراتيجية المحور الأميركي السعودي تتركز حول البادية الشامية … هل خرج الصراع بين الرياض وطهران عن عقاله؟

| أنس وهيب الكردي

بدا أن العلاقات بين السعودية وإيران باتت ملتهبة مع تبادل الدولتين التهديدات المكشوفة، في كسر لقواعد اللعبة القائمة بينهما لعقود.
وتدور في المنطقة «حرب باردة» سعودية إيرانية ساحاتها: العراق، سورية، اليمن، لبنان، غزة، ولا تقتصر الحرب الباردة هذه على الساحات الجيوسياسية بل تتعداها إلى تلك الاقتصادية حيث يحتدم صراع سعودي إيراني في كواليس منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، يتركز حول حصص الإنتاج وأسعار الخام.
ولقد مثل إطلاق السعودية لعمليتي «عاصفتي الحزم والأمل» في اليمن لمنع تحالف الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح وجماعة «أنصار اللـه» المدعومين من إيران من السيطرة على مدينة عدن في جنوب البلاد، تعديلاً لقواعد اللعبة. مع ذلك، لم يشكل هذا التعديل تغييراً كاملاً للعبة ما بين طهران والرياض والقائمة على الحرب بالوكالة (Proxy).
لكن الرياض سمحت لنفسها مؤخراً، بتصعيد المواجهة الساخنة أصلاً مع طهران، وخرج المسؤولون السعوديون عن تحفظهم بالكامل حيال العلاقة مع إيران، ورفض ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إجراء حوار مع إيران وهدد بنقل المعركة إلى «الداخل الإيراني».
في البداية، اتخذت طهران الطريق الدبلوماسية سبيلاً للإجابة على التصعيد السعودي، لكن وزير دفاعها توعد بالرد على «الحماقة» السعودية، قائلاً: «إذا ارتكبت الرياض أي حماقة بالاعتداء على إيران، فإنه لن يبقى منَ السعودية مكان آمن غير مكةَ (المكرمة) والمدينة (المنورة)».
هذه النقلة السعودية في مواجهة إيران ليست معزولة عن السياق الدولي، ويمكن عزو تصريحات المسؤولين السعوديين التصعيدية إلى «انتشائهم» بمواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعادية لإيران. وتعول السعودية بشدة على زيارة الرئيس الأميركي، على الرغم من أنه توعد بجعلها تدفع مزيداً من المال لقاء الحماية التي توفرها لها واشنطن!.
في الواقع، نجحت الرياض وواشنطن في إرساء «إستراتيجية مواجهة» ضد إيران وحلفائها بالمنطقة من جهة، وتنظيم داعش، من جهة أخرى. تعتقد كلا العاصمتين أن نفوذ طهران الإقليمي يمثل تهديداً مميتاً لمصالحهما، وهما تعتزمان دفع إيران للخلف في المنطقة (Roll Back)، عند هذا الاعتقاد تتلاقى إسرائيل مع المحور الأميركي السعودي.
خلال زيارة ترامب للعاصمة السعودية، التي تمثل أول وجهة خارجية للرئيس الأميركي منذ تسلمه مقاليد الحكم في كانون الثاني، سيضع الأميركيون والسعوديون اللمسات الأخيرة على خطط مواجهة داعش في البادية السورية، تثلج هذه الخطة صدور السعوديين، ليس لأنها ستريحهم من تهديد داعش القريب عند الحدود الأردنية فقط، بل، لأنها ستقلص ساحة الحركة والمناورة أمام منافستهم الإقليمية، إيران.
إن دحر داعش في البادية الشامية في غاية الأهمية بالنسبة للرياض وواشنطن، والحقيقة أن نجاح إستراتيجية المواجهة الأميركية السعودية يتوقف على قدرة الميليشيات المسلحة المدعومة غربياً وسعودياً وأردنياً، على السيطرة على البادية الشامية؛ فمن شأن تحقق هذا السيناريو أن يمنع الجيش السوري وحلفائه من الإيرانيين من الوجود في شرق سورية، سيؤدي ذلك إلى قطع الطريق البرية الواصلة بين إيران، سورية والعراق، عبر البادية الشامية.
وليس مصادفة أن تنطلق في شمال الأردن، النسخة السابعة من مناورات «الأسد المتأهب» التي تقودها الولايات المتحدة، بالتزامن مع زيارة ترامب إلى السعودية، وفي إشارة إلى اهتمام واشنطن بهذا التدريب أرسل الجيش الأميركي قاذفتين حربيتين من طراز «بي بي 1» للمشاركة في المناورات التي ينفذها أكثر من سبع آلاف جندي جاؤوا من 20 دولة غربية وعربية.
السعودية أيضاً، تضع أمام ترامب خططاً لتوفير دعم للحركات المعادية للحكم الإيراني داخل إيران، كما أن البلدين سيعقدان صفقات لبيع مزيد من الأسلحة للسعودية خلال زيارة الرئيس الأميركي، وتستعد الرياض وواشنطن شن معركة جديدة في اليمن من أجل السيطرة على ميناء الحديدة.
ورداً على ما تحوكه واشنطن والرياض، طورت إيران إستراتيجية إقليمية هجومية في المقابل. ولمنع واشنطن من قطع التواصل ما بين «محور المقاومة»، قررت طهران توفير مزيد من الدعم لخطط «الحشد الشعبي العراقي» الهادفة إلى دحر تنظيم داعش من منطقتي تلعفر والمير العراقيتين مواجه معبر التنف السوري، كما أنها تشارك في خطط الجيش السوري للتوغل شرقاً في عمق البادية الشامية انطلاقاً من تدمر وريف القلمون الشرقي.
وذكرت إيران أن مقترح «مناطق تخفيف التوتر» كان ثمرة للتنسيق الروسي الإيراني، وبالأخص اللقاء بين الرئيسين حسن روحاني وفلاديمير بوتين في شهر آذار الماضي. ولقد رفضت الرياض التعاون مع المقترح، على الرغم من الجهود التي بذلتها كل من قطر ومصر في هذا الصدد. وفي المقابل اكتفى بوتين بإبلاغ ترامب بالمقترح بعد تبلوره بشكل نهائي خلال المشاورات الروسية التركية الإيرانية في العاصمة الإيرانية أواخر الشهر الماضي.
ومع اتفاق روسيا وإيران وتركيا، (الدول الضامنة لعملية أستانا) الأسبوع الماضي، على إقامة أربع مناطق تخفيف تصعيد في سورية، تحرر الجيش السوري من القتال مع الميليشيات المسلحة في غرب البلاد، وبات أكثر حرية في إعادة توزيع قواته باتجاه الشرق، وعلى الأرجح أن تكون الحملة، التي بدأت مقدماتها، ثمرة لاجتماع وزراء دفاع سورية وروسيا وإيران في العاصمة الروسية وأيضاً زيارة رئيس الأركان السوري إلى طهران الأسبوع الماضي.
في أواخر العام 2016 الماضي، اختط الرئيس روحاني سياسة اعتدال تجاه دول الخليج، وبذل مع وزير خارجيته محمد جواد ظريف جهوداً كبيرة لتطبيع العلاقات الإيرانية الخليجية، إلا أن الرياض عملت على تصعيد المواقف، مستندة إلى تبدل المواقف القادمة من واشنطن بعد فوز ترامب. والآن، لم يعد هناك بد من أن المنطقة أمام جولة جديدة من الصراع بين الولايات المتحدة والسعودية، من جهة، وإيران وروسيا، من جهة أخرى، ستكون ساحته هذه المرة: البادية الشامية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن