من دفتر الوطن

زيدان وقنابل التاريخ

| حسن م. يوسف

منذ سنوات طويلة ترسخت لديَّ قناعة أن الكاتب ليس مسؤولاً عن صحة المعلومة التي يطلقها وحسب بل هو مسؤول عن تأثيرها في المجتمع أيضاً. وقد بدأت أهجس بهذا الأمر منذ عام 1979 عندما روى لنا أستاذ مادة علم نفس الصحافة في المعهد العالمي لتدريب الصحفيين في العاصمة الهنغارية بودابست، حادثة عن صحفي أجرى تحقيقاً عن عائلة شخص مختل هزت جرائمه العاصمة المجرية، فقد امتدح الصحفي أخلاق وسمعة أفراد عائلة المجرم الأسوياء الناجحين، وأكد أن بيئته الاجتماعية الغنية بالأشخاص الممتازين لا علاقة لها بانحرافه وجرائمه. إلا أن التحقيق سمَّم حياة أفراد تلك الأسرة، لأن القراء نسوا المديح الذي كاله ذلك الصحفي لهم ولم يتذكروا من التحقيق إلا القرابة التي تربطهم بالمجرم، فصاروا يتجنبون التعامل معهم! ما جعل بعض أفراد العائلة يرفعون دعوى على كاتب التحقيق أمام لجنة أخلاق الصحافة في اتحاد الصحفيين المجريين، فارتأت اللجنة أن ذلك الصحفي مسؤول عن الأذى الذي وقع على أبناء تلك العائلة وحكمت بتجميد عضويته ومنعه النشر مدة عامين.
تذكرت هذا يوم الأربعاء الماضي عندما ظهر الكاتب يوسف زيدان في برنامج «كل يوم»، على فضائية «ON E» المصرية، وقال كلاماً «خطراً» عن صلاح الدين الأيوبي.
صحيح أن أجدادنا قالوا: إن «ناقل الكفر ليس بكافر» إلا أنني أعتقد أن ناقل الوقاحة وقح، لذا لن أورد نص الإهانة الناتئة التي وجهها الكاتب زيدان للقائد صلاح الدين الأيوبي بل سأكتفي بالتساؤل: من المستفيد من الفرقعة الإعلامية التي أحدثتها «القنبلة التاريخية» التي فجرها زيدان بتصريحه الذي غطى على إضراب الأسرى الفلسطينيين في الكيان المحتل، وعلى نزول قوات احتلال أميركي في غير مكان من الأرض العربية؟
أعترف أنني هممت في نهاية عام 2015 أن أكتب عن زيدان عندما قام بتفجير «قنبلة تاريخية» بقوله: إن «المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة، ليس هو المسجد الأقصى ذا القدسية الدينية الذي ذُكر في القرآن الكريم، والذي سرى الرسول «ص» إليه، وإن ذلك مجرد خرافات، والمسجد الأقصى المقصود موجود «في الجعرانة على طريق مدينة الطائف في السعودية. «كما لو أنه يعفي المسلمين من الدفاع عن المسجد الأقصى! إلا أنني عدلت عن الكتابة عندما تكاثرت الردود على زيدان واتهم بأن أقواله: «تقليد أعمى لمقولات المستشرقين اليهود والأجانب وأتباعهم… إلخ». يومها تساءلت: من المستفيد من هذا الكلام بغض النظر عن صحته من عدمها؟ وها هو السؤال يعيد طرح نفسه عليَّ وأنا أكتب هذه الكلمات.
مما لا شك فيه أن صلاح الدين الأيوبي لم يكن معصوماً عن الخطأ فهو ابن آدم وكل ابن آدم خطّاء، فقد وصف من خصومه بأنه: «أكثر الأشخاص تقديراً واحتراماً «…» بسبب تسامحه وإنسانيته ومعاملته الحسنة التي تميز بها». غير أن زيدان سمح لنفسه بأن يجرد صلاح الدين الأيوبي من كل فضيلة، وفي الوقت ذاته أطنب في مدح عبقرية طبيبه اليهودي موسى بن ميمون!
أعتقد أن زيدان ليس بالرجل الساذج ومن يدقق في حديثه يمكن له أن يتلمس دوافعه العميقة، ففي اللقاء ذاته غمز زيدان من قناة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر بقوله: إن «حالة انحدار الثقافة المصرية بدأت منذ عام 1952» فهل نحن أمام حالة إدمان للشهرة أم تحطيم القدوة، أم الاثنين في آن معاً؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن