الأولى

المشروع الأوروبي «الحقيقي»

تيري ميسان : 

صوًت اليونانيون ضد مطالب دائنيهم، عقب استفتاء عام، سبقته حملة واسعة في باقي بلدان الاتحاد الأوروبي، لتكريس الاعتقاد بأن «لا» الشعب اليوناني، قد تدفع البلاد نحو مستقبل مرعب ومجهول.
الشعوب الأوروبية بعيدة كل البعد عن فهم ما يجري. فهم يشربون منذ 64 عاماً، في الصباح، والظهيرة، والمساء مقالات صحفية، وبرامج إذاعية ومتلفزة تمولها السلطات الأوروبية، لتدوين تاريخها، وتبرير أفعالها.
لم تخضع منطقة في العالم لبروباغندا مماثلة في قوتها وطولها الزمني، فالشعوب الأوروبية على قناعة تامة بأن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى توحيد الشعوب الأوروبية، وأنه جلب لهم السلام، وكفل لهم مستوى معيشياً مرموقاً.
مع ذلك، تخبرنا الوثائق التي رفعت عنها السرية لدى الاستخبارات البريطانية (إم16)، و(سي. آي. إيه)، أن الاتحاد الأوروبي هو مشروع هيمنة أنغلوسكسوني.
كل ماكان يهم واشنطن ولندن هو الاطمئنان إلى أن أوروبا الغربية تعمل لمصلحتهم، ولا يغريها النموذج السوفييتي.
الاستخبارات البريطانية إم16، وسي. آي. إيه، نظمتا ومولتا (عبر شركة يونيليفر المتعددة الجنسيات) عقد أول مؤتمر لشخصيات أوروبية عام 1948 في لاهاي.
في تلك الحقبة، كانت القوى الأنغلوسكسونية قد أعلنت الحرب الباردة على الاتحاد السوفييتي، وراحت تجند قدامى النازيين لمساعدتهما على محاربة الشيوعية.
متخفيا وراء خطاب في غاية الروعة البلاغية، كان «المشروع الأوروبي» يهدف في الواقع إلى تحقيق الخطة النازية لأوروبا فيدرالية، تقوم على تدمير كل الدول (ماعدا الرايخ)، ثم توحيد الشعوب كجماعات عرقية، تحت سلطة إدارة غير منتخبة، تخضع للعاصمة الألمانية برلين.
هذا المشروع الذي صممه، والتر هالشتاين، أحد مستشاري الرئيس هتلر، هو الذي اعتمده الحلفاء في ذلك الحين… وهكذا أصبح هالشتاين أول رئيس للمفوضية الأوروبية.
في السنوات الأولى من عملية «بناء أوروبا»، اعتمدت لندن على أحد عملاء استخباراتها السابقين، الرئيس البولندي الأسبق، الفاشي القديم، جوزيف ريتنجر، الذي أنشأ عام 1946 رابطة للترويج لفكرة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو الحالي)، بوصفها، وفقاً له، أفضل وسيلة لمنع الدول التي ستنضم إلى الاتحاد، من الخروج منه في يوم من الأيام.
في الواقع الراهن، لا تنص المعاهدات على «كيف يمكن الخروج» من منطقة اليورو، ما اضطر اليونان على مواجهة مسألة الخروج من الاتحاد كلياً.
بعد ذلك، أنشأت كل من واشنطن ولندن حلف شمال الأطلسي. ظاهرياً لحماية الأوروبيين من اتحاد سوفييتي لم يكن يشكل أي تهديد لهم.
وهكذا تحولت المفوضية الأوروبية إلى «قشاط ناقل» تابع لحلف شمال الأطلسي، تماماً كما استنسخ الاتحاد الأوروبي الحالي النموذج النازي، بإدارة غير منتخبة، تخضع لحلف ناتو بدلاً من الرضوخ للرايخ.
هكذا صار واضحاً أن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي هما وجهان، أحدهما مدني، والآخر عسكري، لعملة واحدة.
واستكمالا لعمله، أسس جوزيف ريتنجر نادياً يسمح لقادة الاقتصاد والإعلام والسياسة من إظهار إخلاصهم «للمشروع الأوروبي» ولحلف شمال الأطلسي أيضاً. هذا النادي يدعى بيلدربيرغ.
لم يتغير شيء منذ ذلك الحين. فرئيس وزراء لوكسمبورغ الأسبق، جان كلود جونكر، الذي أجبر على تقديم استقالته من منصبه بعد التأكد من انتمائه لشبكة تجسس تابعة لحلف ناتو، أصبح… «بقدرة قادر» رئيساً للمفوضية الأوروبية، وأعلن حرباً اقتصادية على روسيا تحت مصطلح «العقوبات».
لا عجب إذاً في أن يتعمد الاتحاد الأوروبي إخفاء أصوله. ولا عجب أيضاً في أن يفتح اليونانيون، الغارقون في التقشف، عيونهم فجأة، محاولين الهروب من هذا الكابوس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن