السفر عبر الزمن!
| عصام داري
خلال لحظة تأمل عميقة، وفي البحث اليومي عن الدروب المؤدية إلى عالم آخر يبعدنا عن واقع مأساوي، وحالة من الفوضى العارمة التي تسود كوكبنا الأرضي، تذكرت هربرت جورج ويلز الذي يعتبر أول من فكر في السفر عبر الزمن وسجل ذلك في روايته «آلة الزمن» الصادرة عام 1885.
كنت واثقاً أن مجرد التفكير في السفر عبر الزمن ضرب من محال المحال، لكنني أردت التأكد مما ذهبت إليه فأجريت بحثاً في الإنترنت وأصبت بالدهشة لما اكتشفته، أو ما توصل إليه بعض العلماء في هذا الصدد.
وعلى سبيل المثال يرى مدرس الرياضيات والفيزياء في جامعة أوكاناجان في كولومبيا البريطانية بن تيبيت أن السفر عبر الزمن ممكن من الناحية الرياضية وأنه والفريق العامل معه قد توصلوا إلى وضع صيغة رياضية يمكن استخدامها لتصميم آلة للسفر عبر الزمن.
لا تسألوني ما تلك الصيغة، ولا عن كيفية السفر عبر الزمن، لأنني بصراحة لم أفهم كلمة من دراسة هذا العالم، مع أنه قدم فكرته بأسلوب مبسط لكنه في عالم الرياضيات المعقد الذي ناصبته العداء منذ المرحلة الإعدادية.
كل اهتمامي ينصب على فكرة إمكانية السفر عبر الزمن، وهاأنذا أنتظر السيد بن تيبيت مع فريقه لصنع تلك الآلة، وسأكون أول المتبرعين في السفر عبر الزمن، مهما كانت النتائج.
لكن أين ستكون وجهتي في أول رحلة خرافية في الزمن؟ هل أتجه نحو الأمام وأنتقل مثلاً إلى العام 2099 لأعرف ما ستكون عليه البشرية في نهاية القرن الحادي والعشرين، وأقارن ذلك مع ما كانت عليه في نهاية القرن العشرين التي كنت شخصياً شاهداً عليها؟
مجرد التفكير في السفر إلى المستقبل، ولأكثر من ثلاثة أرباع القرن أصابني بالرعب! فإذا كنا الآن في الربع الأول من القرن نعاني من الحروب والقتل والتدمير والعنصرية والتوحش والكراهية والبغضاء وغير ذلك، فكيف سيكون الأمر في نهاية هذا القرن؟
وإذا كان التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه الآن قد ألغى ذاكرة البشر وأسهم في دفع مئات ملايين الأشخاص في شوارع البطالة والفقر والتسول، فما الذي نتوقع حصوله بعد ثلاثة أرباع القرن؟
من الطبيعي أن هذه المخاوف المشروعة ستمنعني من التوجه نحو المستقبل، والحل في هذه الحال هو السفر إلى الماضي، وبالتحديد إلى ذلك الزمن الذي نصفه عادة بالزمن الجميل، زمن العمالقة في الفن والأدب والفكر والشعر والسياسة وفي الحب أيضاً.
نحنّ إلى رومانسية صارت هذه الأيام مدعاة للسخرية والتندر، وإلى قصة حب حقيقية بعد أن وصلنا إلى زمن صارت فيه قصص الحب اليوم تنتهي قبل أن تبدأ.
نحن إلى مواعيد مع صبية هاربة من رادارات الأهل وبعيداً عن أعين الحساد والعسس، وإلى لمسة من يدها التي كانت تشعل النيران في القلب، وتترك رعشة في اليدين، وقشعريرة في البدن.
المهم في كل هذه الرحلة عبر الزمن هو الهروب من هذا الزمن الأغبر الذي وصلنا إليه، فربما نستطيع تغيير التاريخ وتجاوز كل الأخطاء الماضية إن على المستوى الشخصي أم على المستوى الوطني.
ننتظر آلة الزمن، واعتقد أن انتظارنا سيطول!