سورية

انقلاب على «تخفيف التصعيد» وارتياح في أوساط القاعدة … واشنطن وإعادة النظر بتصنيف «هتش» بأنها إرهابية.. تخبط أم تحول

| عبدالله علي

في خطوةٍ تعكس إصرار الولايات المتحدة الأميركية على التلاعب بملف الإرهاب واتخاذه وسيلة لتنفيذ سياساتها وأجنداتها، تراجعت الخارجية الأميركية، أمس، عن وصم «هيئة تحرير الشام» بالإرهاب، واعتبرت على لسان المسؤولة في الخارجية الأميركية نيكول تومبسون أن جبهة النصرة التي تشكل العمود الفقري للهيئة والمدرجة على قائمة الإرهاب الدولية، لم يعد لها وجود، وذلك بالتزامن مع صدور قرار من السلطات الكندية يقضي بسحب اسم «هيئة تحرير الشام» من قائمة الإرهاب الخاصة بها.
مواقف أثارت ارتياحاً واسعاً في أوساط جبهة النصرة التي رأت فيها رسالة إيجابية من واشنطن ينبغي تلقفها بذكاء، واعتبر محللون «جهاديون» مقربون من جبهة النصرة أن القرار الأميركي والكندي «هو رسالة إيجابية»، وقال ناصر الأموي إن «أميركا بهذا القرار تفتح الباب أمام الهيئة للتحاور والتفاوض معها» داعياً «الهيئة» إلى «اغتنام الفرصة والمسارعة إلى تشكيل مكتب سياسي له تمثيل خارجي».
لكن هذا الموقف المفاجئ يطرح العديد من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته، وعما إذا كان مجرد تخبط وقع فيه المسؤولون الأميركيون ولاسيما في ظل تضارب التصريحات الصادرة عن عدد منهم، أم يمثل تحولاً حقيقياً في سياسة واشنطن؟
في حال صحة كلام تومبسون وكونه يعبر عن تغيير في موقف وزارة الخارجية الأميركية إزاء «هيئة تحرير الشام»، فهذا التحول سيترك تداعيات كبيرة، بل يمكن أن يشكل انقلاباً جذرياً على مذكرة «مناطق تخفيف التصعيد» الذي يقوم على محورين أساسيين: أحدهما إنشاء أربع مناطق يشملها تخفيف التصعيد، والثاني والأهم هو عزل «هيئة تحرير الشام» عن «المعارضة المعتدلة» تمهيداً لتوحيد الجهود لمحاربتها والقضاء عليها، على حين أن من شأن الموقف الأميركي الجديد، في حال صحته، أن يقطع الطريق على محاربة «الهيئة» وهو ما سيفرغ الاتفاق من مضمونه لأنه سيحول المناطق الأربع إلى مرتع خصب لتنامي «الهيئة» ما دامت في بيئة آمنة وغير مهددة بالقتال.
الكلام الأميركي الجديد عن «هيئة تحرير الشام» جاء على لسان نيكول تومبسون في مقابلة مع محطة «سي بي سي» الأميركية، يوم الأحد، قالت فيه إنه «رغم ارتباط هيئة تحرير الشام بشكل وثيق بجبهة النصرة، إلا أنها ليست مصنفة كمنظمة إرهابية»، ولم تكتف تومبسون بذلك، بل وجهت انتقاداً قاسياً لبيان سابق صدر عن الخارجية الأميركية وصم «هيئة تحرير الشام» بالإرهاب، لافتة إلى خطأ في هذا البيان وهو أنه «كان يجب أن يقول جبهة النصرة منظمة إرهابية، وهي لم تعد موجودة على أي حال».
تومبسون تقصد بأشارتها إلى الخطأ، البيان الذي صدر عن المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني في شهر آذار، والذي توسّع فيه بانتقاد «هيئة تحرير الشام» واعتبارها «امتداداً لتنظيم القاعدة» و«إرهابية» وحذر الفصائل المسلحة الأخرى من التعامل معها، ومما ورد في بيان راتني أن «المكون الأساسي لـ«هيئة تحرير الشام» هي جبهة النصرة، وهي منظمة مدرجة على لائحة الإرهاب، وهذا التصنيف ساري المفعول بغض النظر عن التسمية التي تعمل تحتها وأي مجموعات أخرى تندمج معها».
وما يثير الشكوك أن كلام راتني لا يمكن حمله على محمل الخطأ كما حاولت الذهاب إلى ذلك مسؤولة الخارجية الأميركية تومبسون، فهو واضح في تمييزه بين الاسمين «هيئة تحرير الشام» وجبهة النصرة وتأكيده على أن التصنيف سارٍ بغض النظر عن التسمية، وبالتالي لا يمكن الركون إلى تفسير تومبسون بأن ذلك كان مجرد خطأ، وهناك العديد من العبارات التي وردت في بيان راتني تعزز من عدم وجود خطأ وخصوصاً إشارته إلى أن « صاحب السلطة الحقيقية في هيئة تحرير الشام هو أبو محمد الجولاني، وهو المتحكم من الناحية العملياتية».
ولا يتناقض كلام تومبسون مع بيان راتني فحسب، بل يتناقض كذلك مع تصريح حديث صدر عن الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت في أعقاب الإعلان عن مذكرة «مناطق تخفيف التصعيد» حيث طالبت جميع «الفصائل المسلحة بالوفاء بالتزاماتها والابتعاد عن الجماعات الإرهابية بما فيها هيئة تحرير الشام». وهذا يؤكد أن وصم «هيئة تحرير الشام» بالإرهاب ليس من قبيل الخطأ، وإنما يعبر عن سياسة وزارة الخارجية الأميركية على الأقل.
يثير هذا التناقض في تصريحات المسؤولين الأميركيين تساؤلات عديدة حول حقيقة الموقف الأميركي من «هيئة تحرير الشام» وهل تصريح تومبسون يلغي بيان راتني ومفاعيله أم تبقى الأفضلية للبيانات المكتوبة على التصريحات الشفوية؟ لكن ينبغي عدم التغافل عن حقيقة أن «هيئة تحرير الشام» غير مدرجة رسمياً على قائمة الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية، بل يدور الحديث عن السياسة التي تتبناها وزارة الخارجية الأميركية ورؤيتها للهيئة وموقفها منها.
وهذا الفارق بين التصنيف وبين الموقف السياسي، يتيح للولايات المتحدة هامشاً واسعاً للتلاعب على الحبال حسب مصلحتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن موقف تومبسون الجديد جاء بالتزامن مع إعلان السلطات الكندية أنها رفعت اسم «هيئة تحرير الشام» من قائمتها للإرهاب، وكان لافتاً أن أحد المعلقين على هذا القرار أشار إلى ملاحظة مهمة وهي أن وضع «هيئة تحرير الشام» على قائمة الإرهاب رغم انضمام «حركة نور الدين الزنكي» إليها، وهي حركة دعمتها الولايات المتحدة وقدمت إليها أسلحة متطورة كصواريخ تاور المضادة للدروع، يعني أن الولايات المتحدة كانت تدعم فصيلاً إرهابياً، وربما تفسر هذه الملاحظة سبب عدم إدراج واشنطن «الهيئة» على قائمة الإرهاب بشكل رسمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن