قضايا وآراء

أربعة أشهر من عهد إدارة ترامب: تراجع إخفاقات وقضم أموال

| قحطان السيوفي 

أربعة أشهر مضت على وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو يدير الولايات المتحدة مثلما كان يدير شركاته، وليس الدولة التي تدعي بأنها الديمقراطية الأولى في العالم.
قرارات عشوائية وعدم استعداد لممارسة المسؤولية الملقاة على عاتق الرئيس الأميركي، وجه إهانات للقضاة، وشن حملات على وسائل الإعلام الأميركية العريقة، بحجة أنها تنشر أخباراً كاذبة، ويحتقر المبدأ الديمقراطي، القائم على فصل السلطات، وعدم تدخل الرئيس في شؤون القضاء، واحترام حرية الإعلام والصحافة.
خلُص قطاع مهم في النخبة السياسية الأميركية والعالمية؛ إلى أن تجربة دونالد ترامب في البيت الأبيض، كانت حتى الآن فاشلة، وخاصة في السياسة الخارجية، ومن مظاهر الفشل، تراجعه في يوم واحد عن ثلاثة وعود، أولها إجبار الصين على وقف التلاعب بالعملة، ثاني الوعود كان وقف نشاط بنك الاستيراد والتصدير، وثالثها كان الوعد بإنذار أعضاء الحلف الأطلسي لدفع وزيادة أنصبتهم في موازنة الحلف، لأن هذا الأخير فقد صلاحيته، وجاءت الوقائع لتؤكد وجود خلل في هيكل، وعقلية، الإدارة الأميركية الجديدة.
من ظواهر الفشل أن ترامب اختار أن يخاصم المؤسسات، وجاء الرجل إلى السياسة من عالم الأعمال، ومن دون خبرة سياسية وواجه الصحافة بشخصية وعائلة متفردتين في الأداء وبمزاج أقرب للعدوانية.
الأشهر الأربعة الماضية؛ أحدثت خدوشاً تحولت إلى شقوق في الهوية الجامعة للأميركيين، فسياسة أميركا الخارجية، تعلن عبر الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأسلوب الذي اختاره ترامب للإعلان عن سياساته، بالإضافة للتمادي في استخدام التقلب المفاجئ في التعبير عن المواقف الأميركية تجاه حكومة أو موضوع، فمثلا تتلقى دولة ما رسائل أميركية محددة في الصباح، لتتلقى رسائل تناقض محتواها مساءً.
أثار ترامب عاصفة سياسية بإقالته مدير «مكتب التحقيقات الاتحادي» والمعروفة اختصاراً بـ«إف بي آي» جيمس كومي، فانطلقت في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عبارة «كومي غيت»، لتذكر بالمقارنة مع طرد الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون المدعي العام أرشيبالد كوكس عام 1973 وما لحق ذلك من عزل نيكسون عن الرئاسة.
صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت أن ترامب يُبدي جهلاً شديداً بالتاريخ وطبيعة العلاقات الدولية، مثلاً: «لم يعرف أهمية الصين إلا بعد أن اجتمع مؤخراً مع الرئيس الصيني في عشاء عمل وسمع منه تبعية الكوريتين للإمبراطورية الصينية، والأمر الخطير في هذه الرواية، أن ترامب اتخذ في هذه الجلسة نفسها قرار قصف قاعدة الشعيرات العسكرية السورية متأثراً، وفق قوله، بانفعال ابنته ومستشارته التي ادعت مشاهدة صور مُفبركة لأطفال سوريين تسمموا بالغازات».
إدارة ترامب، الآن، ليس لديها خطة للتعامل مع روسيا والصين، الدولتين البارزتين في العالم، وألم يحن الوقت لترامب ليُدرك أن لا حل لمشكلات الشرق الأوسط من دون التعاون مع روسيا، ولا حل في الشرق الأقصى من دون الصين، ولكن يبدو أن ديبلوماسيته لم تصل بعد للمستوى المناسب.
ترامب أنهى الاتفاقيتين الكبريين، اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضم 12 دولة واتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، اللتين تضمان ثلثي الاقتصاد العالمي، ويُخطئ مَن يقرأ مواقف إدارة ترامب مع إيران بأنها ضوء أخضر لمواجهة عسكرية مع إيران، فإدارة ترامب تعمل على تصعيد الخوف من إيران، لدى مملكات وإمارات دول الخليج العربي لتتمكن من شفط وقضم المزيد من أموال هذه الدول بحجة حمايتها، ولن يكون لقاء ترامب المرتقب في السعودية مع بعض ملوك ورؤساء دول، أكثر من فرصة لتسويق السلاح، وتحصيل الأموال أو التكاليف المترتبة لواشنطن مقابل حماية هذه الدول.
ترامب يتراجع عن وعوده وقراراته المتقلبة والعشوائية؛ يتراجع عن تصريحاته النارية تجاه الصين والمكسيك، وتجاه قضايا الهجرة، وعن التصعيد الشديد مع كوريا الديمقراطية، تخوفاً من إمكانية استخدام الأسلحة النووية غير المستبعدة تماماً، وهو ما يفرمل مزاجية ترامب.
بالمقابل هناك غموض يلف الاقتصاد الأميركي، منذ فوز ترامب بالانتخابات، معظم البيانات عن النشاط الاقتصادي الملموس لا تشير إلى نجاح واضح؛ فقد انخفض نشاط التصنيع في الشهر الماضي للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، وانخفض الإنفاق على تجارة التجزئة، وانخفضت الأسعار الاستهلاكية، وبقي استثمار الشركات ثابتا، ومؤشر «الناتج المحلي الإجمالي الآن» من الاحتياطي الفيدرالي، يشير إلى أن الاقتصاد توسع 0,5 بالمئة فقط في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2017، وهذا أبطأ مما كان عليه العام الماضي، وهو أقل بكثير من معدل النمو البالغ 4 بالمئة، الذي وعد ترامب بتحقيقه في الحملة الانتخابية، ورئيس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ الجمهوري بات روبرتس اتهم ترامب بمنح الولايات الصناعية الأميركية مرتبة تتفوق على مصالح المزارعين الأميركيين ؛ الذين يتذمرون من السياسة التجارية الفعلية الفوضوية لإدارة ترامب.
بالمقابل خطة ترامب الضريبية تواجه عثرات في الكونغرس، فترامب اضطر لتأجيل الإصلاح الضريبي؛ كما قال وزير الخزانة الأميركية، بسبب مشاجرة في الكونغرس، ويقول النقاد إن المقترحات الضريبية للرئيس؛ تقدم فوائد سخية لأغنى الناس في المجتمع، وربما لأسرة الرئيس نفسه، لأنها تتيح تحويل تريليونات الدولارات إلى الطبقة العليا من المجتمع الأميركي على مدى سنوات، وأكثر من نصف المبلغ من قيمة التخفيضات البالغة تريليوني دولار على معدل الضريبة على الشركات إلى 15 بالمئة سوف يتدفق إلى أغنى 1 بالمئة من الأسر الغنية، ويمكن أن تزيد الخطة من العجز بحوالى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي، وتعاني الولايات المتحدة أصلاً عجزاً هيكلياً حكومياً عاماً نسبته 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع ليصل إلى أقل من 6 بالمئة بقليل، وسيُحدث ذلك ارتفاعاً هائلاً في الدين الحكومي الأميركي البالغ أكثر من 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
السياسة التي يتبعها ترامب لمصلحة الأغنياء قد تفيده من الناحية السياسية، لكنها ستؤجج غضب القاعدة الشعبية للرئيس الذي يعيش على وقع التراجع والتقلب والإخفاقات، وشفط أموال الدول التابعة بحجة حمايتها، ونرى أن هذا، نوع من اللعب بالنار في السياسة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن