عربي ودولي

تكبيرات في قصر السلطان!

| عبد المعين زريق

كعادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي لا يغيرها، والتي ستكلفه رأسه ذات يوم؛ يشحن جمهوره ويخاطب غرائزهم ويحشدهم تحت شعار معاداة إيران وتشييع المنطقة ومحاربة روسيا وأميركا وإسرائيل، والهدف الحقيقي؛ شد عصب الإخونج والإسلاميين الحزبيين والمتعصبين الأتراك من مناصريه، بقصد تمرير استفتاء الحكم الرئاسي، وهو ما حصل فعلاً، وبقصد إبقاء كتلته الناخبة مستقطبة للاستحقاقات القادمة وللمخاطر الكبرى التي تتهدد تركيا مستقبلاً.
واقع أردوغان مع إيران كحاله مع روسيا، لا يستطيع معاداتهما لأسباب كثيرة: الاقتصاد أولها، والخوف ثانيها، وبين الخطاب الأردوغاني العدائي لإيران وروسيا الموجه لغرائز مناصريه، وواقع عجزه عن مقاطعة إيران وروسيا واضطراره للمساكنة في فراشهما، سيقطف المنتظرون الحل السحري، وقد يدفع أردوغان رأسه ثمناً في المنطقة على أيدي المتطرفين من أنصاره، ليستكمل تداعي الفوضى الخلاقة في الجارة تركيا! كل ما نرصده من تغيرات في السلوك السياسي للدولة التركية ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان، يأتي في سياقات اضطرارية وإجبارية بعد حدوث محاولة الانقلاب، وخيبات الأمل والصدمات المتوالية التي تلقاها من شركائه في حلف الناتو، والإدارة الأميركية، من تخليهم عن تركيا في ثلاثة ملفات مهمة: إسقاط الطائرة الروسية، دعم الكرد السوريين في شمال سورية، الموقف المتردد، وربما الداعم، للانقلاب الذي كاد يطيح بحكم أردوغان وحزبه إلى غير رجعة، كل هذه الأمور مجتمعة اضطرت أردوغان للتمسك باليد الوحيدة التي قدمت له المساعدة، وهي يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الآن ورغم أن الدخول التركي لسورية جاء وفق تفاهم مع محور حلفاء سورية، لنقض ما بنته بعض الفصائل الكردية من مناطق حكم ذاتي بشكل أساسي، فإنه اضطر أيضاً إلى التصادم مع بعض أذرعه الإسلامية الراديكالية التي عمل على تغذيتها وتقويتها خلال السنوات الخمس السابقة، وأهمها داعش، بعد طول معاشرة محرمة معها، وبعد عمليات عسكرية اتسمت في البدء بمسرحيات تسليم واستلام مناطق سيطرة، وتغيير ولاءات ورايات كثير من جحافل الجهاديين وبقايا «الثوار» السوريين.
يضطر أردوغان نفسه للمحافظة على دولته، لرفع الجدران حولها، والدخول في حروب ومغامرات حمقاء في الإقليم، وتستفحل حالته المرضية «بارانويا الأعداء المتربصين» به، من كرد وإسلاميين راديكاليين ومواطنين أتراك في دولة عميقة «موازية» من اتباع الداعية فتح اللـه غولن، اجتث منهم آلاف المعتقلين والمنفيين والمطرودين من أعمالهم من القضاة والمعلمين والإعلاميين والشرطة وغيرهم، تدفع به رياح السياسة بين الشرق والغرب، فيعلن ولاءه التام للمايسترو الأميركي ويجند نفسه مستعداً للقتال في جحافله على أي جبهة، فيأتيه الرد بمزيد من الدعم الأميركي للكرد السوريين عسكرياً ولوجستياً وبمشاركتهم بحروب الرقة الجارية.
بعد انهيار أحلامه في اجتياح العالم العربي بمشروع إسلامي إخواني، ها هو اليوم يتأرجح على أرض من التحولات المهولة التي تنبئ بزلازل وبراكين ستقتحم حصونه وجدران دولته الداخلية، وما زال أردوغان وحده يكابر ويقفز في الهواء بغير هدى، هروباً من واقعه المرير، والمخاطر التي تتهدد مصير تركيا في بنيتها البشرية والجغرافية والسياسية، فتركيا تخوض حالياً ثلاث حروب داخلية: معركة ضد الأكراد، ومعركة استعادة الأمن الوطني ضد أذرع الإرهاب، ومعركة السيطرة والتمكين ضد الدولة الغولانية الموازية، إضافة لحروبها الخارجية المعروفة في سورية والعراق، على حين يمارس أردوغان قفزاته غير المحسوبة إلى الأمام، بقصد استمزاج النيّات الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في ملفات المنطقة، منتظراً تحولاً ما ضد الأكراد أو حرباً شاملة على التحالف السوري، غير ذلك سيظل متمسكاً باليد الروسية في المنطقة.
يجب قرع جرس إنذار مدوٍ من أن يرتكب أردوغان حماقة أخرى وقفزة هوائية مجنونة، وهي الدخول بجيشه إلى إدلب بحجة تحريرها من جبهة النصرة والجماعات التابعة لها، مستخدماً بعض بنود اتفاق «أستانة3»:
– فمع وجود عدد لا يستهان به من مركوبي السلطان ومن التابعية العصملية ومن بداءات الإخوان من «السوريين».
– وبوجود سنوات من الدعم التركي اللوجستي «رواتب ومعونات» والعسكري للمسلحين والمتطرفين والإرهابيين والمرتزقة فيها.
– وبوجود هذا الإغراء المستمر الذي يقدمه التركي وأردوغان لكل جيوشه الانكشارية من أبناء جلدتنا المضللين، والعمل على تجنيدهم المستمر لمشروعه ومدغدغة عواطفها بخطاباته الجياشة.
– وبوجود احتمال حدوث مواجهات تمثيلية مع جبهة النصرة، مشابهة لما حدث من مواجهات «مسرحية» بين داعش و«درع الفرات»، ولأمور أخرى كثيرة، فإن السماح للدخول التركي إلى منطقة إدلب وريفها وريف حلب المجاور وتحت أي ذريعة! أو مسوغات وتوهمات، يعد خطيئة تاريخية إستراتيجية لا تغتفر، ويجب الوقوف بحزم وبقوة أمام تنفيذها، وهي ستصبح مناطق مغتصبة مشابهة لإقليم إسكندرون أو جنوب لبنان أو فلسطين المحتلة، وهي لن تحرر إلا بحروب تحرير وطنية، وهي ستكلف السوريين الجهد المضني والكثير من الدماء لاستخلاصها من القبضة العصملية لسلطان البارنويا ومرتزقته.
يعد الدخول التركي لإدلب وجوارها، إن حدث، وهو ليس مستبعداً، أخطر منحى تمر به الحرب على سورية منذ نشوبها، ويجب التنبه له والوقوف ضده على طول الخط وتجريم كل من يسمح به أو يوافق عليه.
يسلك إردوغان طرق أسلافه العثمانيين في نحر واستبعاد كل من يقاسمه الحكم أو قد يطالب بكرسي السلطنة، ولو كان من عظام رقبته أو من شركاء دربه، فتخلى عنهم واحداً واحداً، فلم ينفع النضال الطويل المشترك الذي خاضه مع شريكه في حزب العدالة والتنمية الرئيس التركي السابق عبد الله غول ولا التاريخ الطويل للتآزر والدعم الذي قدمه فتح اللـه غولن لمشروع عثمنة تركيا، لقد انقلب على تفاهماته مع الجميع، ويبدو الآن كمن يرقص على حبال واهية، فهل ستصدق نبوءة رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان فيه أن احذروا هذا الصهيوني؟
بعد أن طويت الصفحات الكثيرة من أشعار الفرسان والعثمانيين الجدد في ملحمة سانشو رئيس الوزراء الأسبق التركي أحمد داوود أوغلو المتمثلة بـ«العمق الإستراتيجي»، وتبخرت مفاعيلها المتخيلة في بلدان الربيع العربي، لم يتبق لدونكيشوت الذي خاض نزواته وحروبه مع طواحين العروبة ودول الجوار وحلف الناتو وإيران وروسيا، إضافة إلى حروبه على شعبه المستقطب، إلا أن ينكفئ وحيداً في قصره خلف جدران عالية حول ملكه المتهالك، وأن يراجع متحسرا أيامه الخالية، ولا بأس أن تصيبه نوبات التوحد والتوحش والشك المرضي، فيمارس هوايته في القضاء على من تبقى في جوار قصره الكبير متوجساً من مجاهدٍ متحمسٍ من أنصاره يرى تناقضاته الكثيرة فيقطف رأسه مردداً: اللـه أكبر، ويقدمه هدية للجماهير الثائرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن