اقتصاد

تكريم الحكومة نقدها

| المحرر الاقتصادي

مما شك فيه أن مبادرة الجمعية البريطانية السورية بإقامة مؤتمر حول تداعيات الحرب على سورية وآفاقها، وسط دمشق، وبحضور حكومي لافت، يقدم رسالة علنية بأننا نعمل ونفكر لما بعد الحرب، وهو خطوة جدّيّة وغاية في الأهمية من حيث طبيعة المبادرة ومضمونها وتوقيتها ورسائلها.
ومما لا شك فيه أيضاً، أن مشاركات بعض ممثلي الحكومة لم ترتق إلى مستوى الحدث، عبر طروحاتهم المفعمة بالتنظير واجترار الأرقام والتصريحات التي حفظناها عن ظهر غيب، باستثناء اغتنام المؤتمر كفرصة لإعلان بعض الإنجازات في بعض القطاعات الحيوية.
الصدمة من وقع محاضرات العديد من الوزراء أصابت أغلب الحاضرين، علماً بأن المداخلات العفوية والصادقة، وما أكثرها، لم تنقل إلا جزءاً مما كان يدور همساً، وبإيماءات لغة الجسد بين الحضور. وهنا نسجل بعض الملاحظات والأسئلة التي لم يتوفر لنا الوقت لطرحها من منبر المؤتمر:
غياب المنهجية كان سمة عامة لجميع الأبحاث التي عرضت، وخاصة في محور الإصلاح القضائي ومكافحة الفساد، فلا ارتباط أبداً بين عناوين الأبحاث وما تم طرحه باسمها، ونسأل: كيف يمكن لوزير أو وزيرة إدارة قطاع حيوي في الحكومة إن لم يمتلك من المنهجية الجزء اليسير الذي يمكنه من كتابة بحث منسجم بين العنوان والمحتوى؟ لأن الواقع ينطبق عليه المثل القائل «العرس بدوما والطبل بحرستا».
في أول لقاء صحفي مع وزير التنمية الإدارية عندما توجهنا بالسؤال عن ماهية الوزارة، قال لنا: إنه «نائب القائد العام للإصلاح الإداري» وإن حصاد النتائج ممكن أن نلمسه بعد ستة أشهر، وكانت الوزيرة الحالية معاونته، وشريكته في برنامج الإصلاح، أما اليوم وبعد عدة سنوات نسأل: أين نتائج الإصلاح الإداري أم إن الوزارة كانت مشغولة بالتدريب والتأهيل وكأنه المشكلة الوحيدة في فضائنا الإداري الفوضوي؟ وكيف نتحدث عن مشكلة نقص الكوادر والكفاءات رغم وجود البطالة من الاختصاصات والكفاءات كافة؟ أليس أجدر بالوزيرة، التي لا يشفع لها حداثتها في المنصب وهي ابنة الوزارة منذ تأسيسها، أن تبحث في أسباب الهروب من القطاع العام وخاصة لأصحاب الكفاءات؟
لم يكن تسويغ وزير العدل مقبولاً لجهة سوء فهم الكتاب الخاص بالتضييق على حرية الإعلام، إذ إن الخلاف كان على عبارة استهداف عمل الحكومة، وليس على موضوع هيبة الدولة، الذي لا نختلف فيه مع أحد، علماً بأن مهمة الإعلام تقويم أداء الحكومة عندما تخطئ لأنها بخطئها تسيء لهيبة الدولة، وهنا أنقل على لسان أستاذنا في كلية العلوم السياسية الدكتور سمير إسماعيل (رحمه اللـه) قوله: إن «تكريم الباحث نقده» لنقول «تكريم الحكومة نقدها»، ويمكننا أن نفهم أن ما حدث هو سوء صياغة للكتاب أو سوء إدارة وليس سوء فهم من الإعلام.
فيما يخص الفساد والهيئات الرقابية، نتفق مع جميع الطروحات المنادية بضرورة استقلاليتها، وفصل تبعيتها عن الحكومة، إلا أن المشكلة الكبرى ليست في هذه الهيئات والأجهزة فقط، بل في القضاء، وهنا نسأل: لماذا يسعى المتورطون في بعض التقارير التحقيقية والتفتيشية لإحالتها فوراً على القضاء فينام بعضها في أدراج النيابة العامة واللجان التدقيقية وغيرها لسنوات؟ والمقولة الشائعة: «عندما يحال الملف التفتيشي على القضاء يستريح الفاسد»! ونسأل أين ملفات شركات الصرافة التي يشارك فيها أو يدعمها متنفذون ومارست كل أنواع المضاربات وتهريب العملة وأضرت بالاقتصاد كما الحرب؟ أين الدعاوى بحق كبار المتنفذين المتورطين في القروض المتعثرة؟ ولماذا البحث عن كبش فداء من الموظفين المأمورين، دون أن ننكر فساد العديد منهم؟
أين قوة القانون الكفيلة بتطبيقه على جميع المواطنين بالدرجة نفسها؟
أليست النصوص التشريعية هي البنية التحتية الأساسية في السلطة القضائية؟ فهل قضمت الحرب القوانين، أم إنها لم تطبق بالدرجة نفسها على المخالفين؟
وأخيراً، نتفق مع الكثير مما طرح عن التقصير في تعويضات العاملين في القضاء وغيرهم في جميع مفاصل العمل الحكومي، وبتعطل عمل مجلس الشعب عملياً، ونأمل أن تكون مشاركات اليوم أقل تنظيراً وأكثر قرباً من الحقيقة، لأننا نريد للحكومة أن تنجح في عملها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن