من دفتر الوطن

تجارب شخصية.. حكاية وطن!

| عصام داري 

يحق للساسة والفلاسفة والمفكرين والعلماء والكتاب وكبار الإعلاميين والفنانين، أن يختصروا مسيرة حياتهم وتدوينها في صفحات ويحبسوها بين دفتي كتاب ويدفعوا بها إلى القراء للاطلاع عليها.
قد تكون تجاربهم شخصية في أحد جوانبها، لكنها في جانب آخر تحكي قصة مرحلة سياسية وتاريخية لهذا البلد أو ذاك، أو تؤرخ لولادة وأفول فنان أو مبدع وتجربته في الأدب والشعر والموسيقا والاختراع والعلوم وغير ذلك.
سألت نفسي: ما فائدة كل ما أكتبه عن حياتي وأنا لم أصل إلى مرتبة الفلاسفة والساسة وكبار الشعراء والأدباء والفنانين والرسامين؟ وإذا فعلت وكتبت بعضاً من تجاربي الشخصية، هل أقدم للقارئ ما هو مفيد، أم إن هذا القارئ سيمزق الورق الذي دونت عليه كتاباتي ويقول: ما دخلي أنا وكل هذا الكلام عن حياة وتجارب هذا الشخص الذي لا أعرفه؟
أرى أن التجارب الشخصية لأي إنسان، مهما كان بسيطاً وعادياً وليس له أي تأثير في الحياة والمجتمع، لها أهمية كبيرة لأنها تكمل مشهداً في الحياة، وفصلاً في رواية أو قصة أو مسرحية أو فيلم سينمائي، وكم شاهدنا شخصيات هامشية لفتت الأنظار إليها، خاصة على خشبة المسرح، ومن هناك انطلقت إلى النجومية، وكذلك الأمر بالنسبة لنا نحن الذين نمثل أدوارنا على مسرح الحياة.
ربما أسهم من خلال تسجيل تجاربي الشخصية في صنع رواية رومانسية حيناً، واقعية أحياناً، تحمل فرحاً عابراً وسط بحر من الأحزان، أو ربما أكتب مسلسلاً تلفزيونياً يحكي قصة بلد تطور من الأفضل نحو الأسوأ، وأظن أن تجربتي في هذه الرواية التي نعيشها منذ سنوات ست خلت، جديرة بالملاحظة وتستحق أن تكون صفحة من صفحات تاريخ سورية في هذه المرحلة.
قد تصلح علاقات الصداقة والحب التي عشتها طوال هذا العمر لتكون فيلماً سينمائياً طويلاً، أو قد تتحول إلى مجموعة كبيرة من النصائح التي أقدمها بالمجان لمن يحتاجها من جيل اليوم، لكنني أخشى أن يرفض هذا الجيل النصائح الغالية، والخشية الأكبر أن يسخر مني ومن نصائحي، وأتذكر المثل القائل:إن «النصيحة كانت بجمل»، واليوم صارت تسبب الأذى والسخرية.
أعترف وأنا بكامل قواي العقلية أنني مررت بقصص حب أعتبرها اليوم أهم من قصص روميو وجولييت، أو قيس وليلى، أو جميل وبثينة ولكل منا ليلاه، ولن أمل من الكتابة عن تلك التجارب التي قد تنير دروب عشاق الأيام الآتية، وأعلم علم اليقين، أن عشاق اليوم ليس لهم أي صلة بقصص عشاق الأمس، في ذلك الزمن الذي نصفه بالزمن الجميل، عندما كانت لمسة يد المحبوبة تعتبر إنجازاً يستحق أن يحتفل به القلب بمعزوفة لا تتوقف حتى ينتهي رقص الأصابع المرتعشة.
هذه القصص ربما كانت تربة خصبة لمن يحب حصاد حكايات الحب والعشق، ولمن يبحث عن غرسة بكر ليزرعها في بستان الهيام والهوى.
تجاربنا الشخصية كأفراد، هي السجل العام لتاريخ مرحلة كاملة لبلدنا بكل خصبها وجفافها، بآمالها وآلامها، هي حكاية وطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن