الأخبار البارزةشؤون محلية

ذوو الشهداء في طرطوس: المدرسة أفضل بكثير من جو عائلي حزين … مدارس لأبناء الشهداء في المحافظات باتت ضرورة وحاجة ملحة

| طرطوس – سناء أسعد

نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى للتفكير ملياً ولدراسة كل السبل والطرق لحماية أبناء وبنات شهدائنا الأبرار من مخاطر وتداعيات الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي وضعوا فيها.. وبالتالي تأمين حياة كريمة ودراسة تليق بهم.
وأمام الواقع الحالي وارتفاع عدد الشهداء في مختلف أنحاء سورية باتت القدرة الاستيعابية لمدارس أبناء الشهداء في دمشق أقل بكثير من عدد أبناء الشهداء الراغبين بالدراسة في مثل هذه المدارس.
والسؤال هل باتت مدارس أبناء وبنات الشهداء ضرورة وحاجة ملحة في باقي المحافظات السورية أم إن بقاء الطفل في جو عائلته وبيئته الاجتماعية هو الأفضل رغم تعدد حالات الفقدان واختلافها؟
في مادتنا لهذا اليوم سنحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال تواصلنا ولقائنا بعض أسر الشهداء في محافظة طرطوس «أم الشهداء».

الحل الوحيد لضمان مستقبل أفضل
• آنا ديب زوجة الشهيد أسامة زمام وأم لأربعة أولاد تقول إنه ليس سهلاً على الأم أن تقوم بدور الأب والأم معاً ولاسيما إذا كانت متطلبات العيش صعبة التأمين كما أن غياب الأب عن أطفاله يعني غياب عامل الانضباط في الأسرة لذلك أكثر ما يشغل بالها هو مستقبل أولادها وتؤكد أنه لو كانت هناك مدرسة لأبناء الشهداء في طرطوس لكانت أول من يسجل أولادها فيها بل إنه لفخر واعتزاز لها أن تضع أبناءها في مدرسة خاصة بأبناء الشهداء ولاسيما إذا كانت في محافظة طرطوس.. (آنا) تتمنى من أعماق قلبها أن يؤخذ هذا المشروع بعين الاعتبار ليس لأنها أم غير مثالية بل لأنه الحل الوحيد لضمان مستقبل واعد ومشرق لأبنائها وأبناء الشهداء بشكل عام وخاصة أن المدرسة أفضل بكثير من جو عائلي مؤسف ومحزن.
• حسن غانم من قرية قمصو لم ينتظر بناء مدرسة لأبناء الشهداء في محافظة طرطوس بل قام بإرسال ابنتي أخيه الشهيد «مايا ولميس» إلى مدرسة بنات الشهداء في دمشق، مايا ولميس استشهد والدهما وبعد عشرة أيام توفيت أمهما، ويقول غانم لو كانت هناك مدرسة لأبناء الشهداء في طرطوس لاختلف الأمر كلياً ففي طرطوس يكون الأطفال بين أهلهم وناسهم وضمن بيئتهم الاجتماعية كما يسهل على ذويهم إمكانية التواصل معهم بشكل مستمر بعيداً عن معاناة السفر وتكلفة المنامة لمن لا أقارب له في دمشق.

دانيال والطفولة المعذبة!
• دانيال الطفل الذي خسر جميع أفراد أسرته أمام عينيه.. عمل إرهابي فظيع قام به المسلحون ضمن منزلهم بدمشق ودع على إثره دانيال حلم الطفولة وحلم العائلة وحلم الأخوة وما حدث في ذلك اليوم لا يفارق مخيلة دانيال وفكره أبدا..!
• نوال خالة دانيال تقول: إنها كانت دائماً تفكر بإرسال دانيال إلى مدرسة أبناء الشهداء في دمشق لكنها كانت تتردد بسبب وضع دانيال النفسي ظنا منها أن وجوده مع أفراد أسرتها يمكن أن ينسيه ذلك اليوم المشؤوم أكثر مما لو كان في المدرسة لكن النتيجة لم تكن حسبما توقعت، بل هي اليوم قلقة لأنها تشعر بأن دانيال بحاجة إلى معالج نفسي فتصرفاته لا تكون مفهومة في أغلب الأوقات إضافة إلى عصبيته الزائدة وتراجعه دراسياً.
وعن مدرسة خاصة بأبناء الشهداء في محافظة طرطوس أبدت نوال رغبة شديدة بإحداثها واختصرت رغبتها بعبارة مكررة «ياريت، ياريت» وأكدت أن هذه المدرسة تشكّل رغبة مشتركة عند جميع من تعرفهم من أسر الشهداء من أقاربها وجيرانها.

غزل والأمومة المبكرة
• فريال اضطرت -بعد استشهاد زوجها- للعمل في معمل للأدوية ولهذا فهي تغيب عن منزلها وقتاً طويلاً.. هذا الأمر جعل من طفلتها غزل التي تبلغ من العمر تسع سنوات أماً ومربية لأختها الصغيرة شهد أثناء غيابها عن المنزل وهي تخشى دائماً من تأثير الظروف القاسية في دراسة ابنتها على الرغم من أنها كانت دائماً من المتفوقات في صفها.
تقول فريال لو كان صوتي مسموعاً لكان أول أمر أطالب به هو افتتاح مدرسة لأبناء الشهداء في محافظة طرطوس فهي الخلاص الوحيد لمستقبل أفضل لغزل وأختها.. كما أن أكثر ما يواسي فريال بعد أن فقدت زوجها هو ألا تفقد غزل حقها في أن تعيش طفولتها وحقها أيضاً في إكمال دراستها.

الجدة سعاد ورأي آخر
تقول الجدة سعاد إنها اليوم مسؤولة عن رعاية وتربية بنات ابنها مازن بعد استشهاده وتخلي الأم عنهن على الرغم من صغر سنهن (أربع بنات) الكبيرة فيهن سيدرا تبلغ من العمر سبع سنوات.
الجدة سعاد متعلقة ببنات ابنها لدرجة كبيرة وهي ترعاهن بمساعدة أصحاب الأيادي البيضاء لأن وضعهن المادي مأساوي جداً وعندما سألنا الجدة عن استعدادها لوضع بنات ابنها في مدرسة خاصة بأبناء الشهداء في طرطوس إن وجدت قالت: طالما أنا قادرة صحياً والمساعدات مستمرة لهنّ لن أتخلى عنهن، ولكن للأسف مهما كانت الحقيقة مؤلمة لا يمكننا الهروب منها مهما حاولنا فلاشيء يبقى على حاله وعندما تغلق الأبواب جميعها في وجهها وتشعر بعجزها عن رعايتهن ستضعهن في المدرسة بالتأكيد في حال وجودها في محافظة طرطوس.
بالنهاية الحنان وحده لا يطعم الخبز ولا يؤمن مستقبل البنات وما أصعب ظروف هذه الحياة.

تجربتي القاسية
سلوى محمد جدة الأطفال الأربعة الذين قتل الإرهابيون والدهم ووالدتهم في عدرا العمالية أكدت أهمية وضرورة إحداث مدرسة لأبناء الشهداء في محافظة طرطوس وخاصة أن هناك الكثير من أبناء الشهداء باتوا بلا أب ولا أم.. ومن الصعوبة بمكان على جد أو جدة أو عم أو عمة تربيتهم بالشكل الأمثل ولاسيما في ظل هذه الظروف المعيشية القاسية.. وتجربتي المريرة ومعاناتي مع هؤلاء الأطفال من كل النواحي – كما تقول – كافية لتؤكد ما أقوله.

ماذا يقول علم النفس؟
هل الأم قادرة حقاً على تعويض أطفالها غياب والدهم؟ وماذا عن دور الجد والجدة في حال غياب الوالدين معاً؟
وما الحالات التي يفضل فيها وجود الطفل في مدرسة أو مؤسسة خاصة تعنى بشؤونه؟
تجيب ثناء سليمان الموجهة الاختصاصية للإرشاد النفسي في مديرية التربية بطرطوس عن هذه الأسئلة فتقول: يجسد الأب في حياة الطفل الحب، الحنان، والأمان، وعند فقدانه، يكون الأمر صعبا كثيراً على الطفل، وتصبح الحياة أقسى، فالطفل الغائب عنه والده يشعر بالخوف والاكتئاب ويكون ضعيف الثقة بالنفس وأقل التزاما بالنظام إضافة لانعدام التوازن العاطفي عند الطفل وتولد صراعات نفسية تؤثر بدورها في مستوى التحصيل الدراسي لديه.
وتضيف بالنسبة لدور الأم في حال غياب الأب: إن الأم المتبصرة الواعية القادرة على تحمل تلك المسؤولية التي اختارها اللـه لها، والتي تعمل على تسخير كل الطاقات لتربية أطفالها إيجابياً، والتي تأخذ على عاتقها مسؤوليات الأب والأم معاً بقليل من التعارض أو التناقض، والماهرة في مجالات التعامل الإنساني والاجتماعي، مثل هذه الأم قادرة حقا على تعويض أطفالها غياب والدهم، وتزويدهم بسبل التكيف الغنية والنمو الكامل لشخصياتهم لسد هذا الفراغ في التربية.
من هنا تقول سليمان: إن المكان الأمثل لتربية ورعاية الطفل هو ضمن أسرته في منزله، ولكن توجد حالات خاصة يفضل فيها وجود الطفل في مدرسة أو مؤسسة خاصة تعنى بشؤونه كحالة عدم قدرة الأم على تأمين حاجات أبنائها المختلفة، وحالة وفاة الأم وضياع وتشتت الأبناء بين الأقارب.
أما عن وجود الطفل عند الجد والجدة فتقول سليمان: هناك ايجابيات وسلبيات لهذه الحالة.. في الإيجابيات نشير إلى أن خبرة كبار السن وحكمتهم في كل مناحي الحياة وإيصالها إلى الصغار تقويهم، والحب والحنان الذي يمنحونه للصغار يسهم في بلورة شخصية الطفل من الناحية الاجتماعية، النفسية والعاطفية ويساعد في أن يكون في المستقبل شخصاً مشبعا ومتزنا عاطفيا ما يزيد من ثقته بنفسه وخاصة في مواجهة الحياة، يضاف لما تقدم تعزيز علاقات وانتماء الطفل في بيئته.
أما السلبيات فتقول: يقول المثل الشعبي: «أعز من الولد ولد الولد» لذلك قد يلجأ الأجداد إلى المبالغة في التدليل والإفراط في الحماية لتعويضهم عن فقدان الوالدين وهذا يؤدي إلى انعكاسات عدة على حياة الطفل وبناء شخصية غير ناضجة ومن جهة أخرى قد يمارسون التربية الصارمة القاسية إيماناً منهم أنها الحل الوحيد للتربية وتأمين مستقبل جيد ومن جانب آخر الفرق الزمني بين الأجداد وأحفادهم قد يكون عاملاً سلبياً في تهيئة الظروف السليمة لنمو الطفل وممارسة نشاطاتهم وتلبية حاجاتهم النفسية والاجتماعية وبالتالي التحاق الطفل بمدرسة تؤمن له الأسرة البديلة مع التواصل المستمر مع العائلة أمر إنساني وحق من حقوق الطفل ومهم ويحقق مصلحة الطفل الفضلى وبالتالي ينعكس إيجابياً على مستقبل الطفل والمجتمع.

ختاماً
اليوم نحن مسؤولون عن جيل بأكمله جيل أبناء وبنات الشهداء مسؤولون عن تقديم كل أشكال الدعم لهم مادياً ومعنوياً وتربوياً وتعليمياً واجتماعياً ونفسياً، فمهما كان الواقع أكبر من الإمكانات يجب ألا ننسى أننا باحترام وحماية هذا الجيل نحترم ونحمي وطننا قبل أي أمر آخر، لذلك نتمنى أن يؤخذ مشروع افتتاح مدارس خاصة بأبناء الشهداء بعين الاعتبار ولا بأس أن نبدأ تطبيقه في محافظة طرطوس من باب التجربة ومن ثم تعميمه على باقي المحافظات في حال نجاحه والتأكد من تفوق نتائجه الإيجابية على السلبية، على أن تتم مراعاة الظروف المعيشية وحالات الفقدان بالدرجة الأولى ولجميع أبناء الشهداء من دون استثناء وأن يكون التفضيل بعد التسجيل على أساسها من حيث الأولوية.
إنّ أبناء الشهداء أمانة في أعناقنا وعطاء الدماء لا يمكن أن يقابله أي عطاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن