قضايا وآراء

إسرائيل تستبيح الشهداء والأسرى وعائلاتهم

| تحسين الحلبي

يبدو من الطبيعي أن يطرح الفلسطينيون في كل مكان داخل الوطن وخارجه، سؤالاً مهماً هو: إذا كانت إسرائيل لم توافق على مطالب إنسانية بسيطة للأسرى داخل أقفاص سجونها إلا بعد إضراب عن الطعام دام أربعين يوماً لأسرى داخل أضيق مساحة حركة ومناورة، فكيف ستوافق أو تخضع لاتفاقات تؤكد حق هذا الشعب في التخلص من الاحتلال من دون أن يجبرها الشعب؟
فإسرائيل ضربت عرض الحائط بميثاق جنيف الذي يؤكد حقوق الأسرى والمعتقلين في أي أراضٍ محتلة، وفي الأراضي المحتلة نفسها، ينتشر بعض مقرات لهيئة الصليب الأحمر الدولية المكلفة مراقبة تنفيذ ميثاق جنيف منذ عام 1967، وتعرف هذه الهيئة الدولية أن إسرائيل لم تطلق سراح أي أسير إلا بعد أن يقضي في السجن مدة الحكم الذي أصدرته محاكمها العسكرية، ويعرف الفلسطينيون والصليب الأحمر والقيادة الإسرائيلية أن جميع الأسرى الذين أطلق سراحهم منذ أول عملية تبادل كبيرة عام 1979 حتى آخر عملية مقابل شاليط، تم تحريرهم بعد عمليات تبادل للأسرى بعد نجاح المقاومة الفلسطينية واللبنانية بأسر جنود من قوات الاحتلال.
حين جرى التوقيع على اتفاقية أوسلو في أيلول عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اعتقد قادة المنظمة على ما يبدو، أن وضعهم الضعيف في ميزان القوة أمام إسرائيل قد تضيف له اتفاقية أوسلو أوراق قوة يستندون إليها في مفاوضاتهم، فتبين أنها لم تستطع بعد سبع سنوات من المفاوضات إخراج أي أسير، وهذا ما كان واضحاً في المفاوضات التي جرت بإشراف كلينتون عام 2000 حين وضع الوفد الفلسطيني أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ايهود باراك في كامب ديفيد قائمة باسم الأسرى من أجل إطلاق سراحهم ورفضت إسرائيل.
ومع تطورات اتفاقية أوسلو المتسلسلة منذ عام 1993، ازداد عدد الوحدات السكنية الاستيطانية بأضعاف في أراضي الضفة الغربية المعدة لإقامة الدولة الفلسطينية فوقها، مثلما ازداد عدد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين والأحكام الصادرة بحقهم من المحاكم العسكرية إلى حدٍ بلغ فيه عدد السنوات إلى 67 مؤبداً.
ومع ذلك لم تترك القيادة الإسرائيلية الأسرى الذين بلغ عددهم في إحدى الفترات 9 آلاف أسير، بل طالبت الدول المانحة للمساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، بالتوقف عن تقديم هذا المال لأن جزءاً منه يتم صرفه لعائلات الأسرى، بل كذلك ثمناً لطعام الأسرى داخل سجون إسرائيل؟ وبدأت في الأسابيع الماضية بعض الدول مثل الدانمارك وبريطانيا والنرويج بالإعلان عن خضوعها للمطلب الإسرائيلي في معاملة الأسرى كإرهابيين هم وعائلاتهم «الذين يولدون إرهابيين» كما كانت تعلن غينولا كوهين داخل الكنيست في التسعينيات.
وبالمقابل يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الآن في ظل هذه الظروف الأشد قسوة في الوضع العربي والفلسطيني، إلى منع أي فلسطيني بالاحتفال بأبيه أو أخيه أو أي من أقاربه شهيداً، بل يريدون هذا الفلسطيني أن يتعلم في المنهاج الدراسي، أن والده كان إرهابياً ويستوجب التنديد والاستنكار؟ وبالمقابل تتجاوب الدول الغربية مع هذا الخطاب الإسرائيلي وفي مقدمتها بريطانيا التي أنشأت هذا الكيان الصهيوني على حساب الدماء والضحايا التي دفعها الفلسطينيون، وأيضا رفضت حكومة النرويج في 26 أيار الماضي، تقديم مساعدة مالية لمؤسسة تحمل اسم «الشهيدة دلال مغربي»، واستنكر أمين عام الأمم المتحدة السابق بان كي مون أن يطلق اسم «الشهيدة دلال» على أي جمعية في العالم.
أما «باروخ غولدشتاين» الإسرائيلي الذي نفذ مذبحة في 24 شباط عام 1994 داخل المسجد الإبراهيمي في الخليل في شهر رمضان وأطلق الرصاص على الراكعين والساجدين في الصلاة فقتل أكثر من ثلاثين وأصاب بجروح 130 من المصلين أطفالاً وشباناً وشيوخاً، قبل أن يقتله المصلون الناجون، أقام له الإسرائيليون نصباً وكتبوا عليه: «غولدشتاين الذي دافع عن دولة إسرائيل وتوراتها».
كل هذا يحدث، وما زال النظام الرسمي العربي يسير نحو التطبيع الشامل مع إسرائيل أمام أكبر ظلم تاريخي يتعرض له شعب مثل هذا الشعب العربي الفلسطيني، وتكبر الفجيعة حين نرى أن النظام الرسمي العربي ما زال أكبر حليف لبريطانيا صانعة هذا الظلم التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن