من دفتر الوطن

شركاء في الحلم!

| عصام داري 

يحدث أحياناً أن تجمعنا الأيام في المسالك الصعبة والدروب الوعرة والظروف الصعبة، لكن تفرقنا حالة البحبوحة والرخاء والدروب المزروعة بالورود.
يحدث أن نعيش لحظة توهج تولد من العدم ومن دون سابق إنذار، لكن قد نشعر في مرات كثيرة، أننا مصابون بعقم فكري، وعمى ألوان مؤقت، وحالة جمود وإحباط ويأس لا نجد تفسيراً لها.
نحلم بأشياء تبدو صعبة المنال، بل مستحيلة، لكن الحلم يشرق من قلب المحال، يصبح في ثوان معدودات حقيقة تمشي على الأرض، وتبدأ الحكاية، فالحلم لا يصبح واقعاً من دون شركاء من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس.
شركاء الحلم يصنعون معنا أشرعة من خيال تبحر بنا في بحار الحنين، وتسافر إلى محيطات الدهشة والحب والهوى، ولا حلم يكتب له العيش في عالمنا من دون وجود شريك يرسم معنا ملامح اللوحة المنشودة، وكما يقولون: رقصة الفالس تحتاج إلى راقصين، لذلك الحب وحالات العشق التي تبصم في الزمان والمكان تحتاج إلى عاشقين قادرين على ركوب أمواج الخيال، والإبحار في عالم سحري أخاذ يشبه انسكاب النور في كؤوس الكريستال.
عندما يغيب الشريك، أو يخشى ركوب الأمواج وخوض مغامرة العشاق، يصبح الحلم كسيحاً، والرؤية ضبابية، والحب نوعاً من المحال، وتتبخر الأماني، ونفتقد الحافز الذي يجعلنا نخوض غمار الصعاب وتحدي الأقدار للحصول على الجائزة التي كنا ننتظرها لسنوات طويلة.
نستطيع تخيل شريك في حلمنا موجود في مكان ما، مهما كانت المسافات التي تفصلنا عنه، ونستطيع وضع برامج الاستقبال ومهرجانات الأنوار والأضواء الملونة التي نعدها للشريك الآتي، واختيار احتفالات الموسيقا المعشقة بالكلمة العذبة شعراً ونثراً وزجلاً، بما يليق بولادة لحظة سحر قد لا تتكرر، وأن نرصف الدروب بالأزاهير والورود ونسكب قوارير العطر في الشوارع والحارات والأزقة التي ستحظى بنعمة مرور هذا الشريك النادر.
بالأفراح نستقبل الوافد الجديد، ونودعه بحزن عميق، كان مخبوءاً في نفوسنا منذ سنين وآن له أن يتفجر وأن يعلن الحداد سبعة عقود على الشريك العابر.
لا يولد الحلم كل لحظة، ولا كل ساعة أو شهر، إنه كالقصيدة بحاجة إلى سعة خيال، وقوة إرادة، ورغبة في صنع معجزة، وشجاعة في خوض مغامرة لا نعرف إلى أين تقودنا، وكل إنجازات البشرية بدأت بحلم ومغامرة وشجاعة.
نحتاج إلى شركاء في الحلم كي نحلق في سموات لا حدود لها، وأن نسير على دروب لم يسبق لبشري أن سلكها، وأن ندخل كهوف البلور والنور المسكون بالسحر والجمال.
من يغادر القطار فلن يحظى بجمال الرحلة، ومن يخش البلل فلن يشعر بمتعة السباحة في بحيرات الحلم، ومن يتهيب التحليق فلن يحصل على سعادة الانطلاق في فضاءات بين الكواكب والنجوم، ولن يحصل إلا على مساحة صغيرة قد تصلح في الآتي من الأيام لصنع حلم جديد، لكن من دون جوانح.
سننتظر الشريك مهما تأخر، لأن الحلم يستحق الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن