من دفتر الوطن

وصفة الحكيم مهاتير

| حسن م. يوسف 

المتحكم الأرعن يجعل القوة أسوأ من الضعف، والمبذر الأهوج يجعل الثروة أسوأ من الفقر، وقد ابتلي العرب بمتحكمين مبذرين أوصلوا أمتهم القوية الغنية إلى ما هو أسوأ من الفقر وأشنع من الضعف. فبدلاً من أن يقوم المتحكمون العرب الأغنياء بمحاربة الفقر في بلدانهم، تراهم يشترون السلاح بمليارات الدولارات من بلدان أسيادهم الأغنياء كي يحاربوا بها أشقاءهم الفقراء!
وقد تمكنت (السعودية)، من إيصال آخر صراعات الحداثة إلى اليمن عبر قصفه بأحدث الطائرات الحربية وأفتك الصواريخ الذكية، ما أدى ويؤدي إلى هدم منازل ملايين اليمنيين الفقراء وتدمير بنى الدولة التحتية وإعادة الكوليرا إلى اليمن معززة مكرمة!
كيف يمكن إيقاف عاصفة الجنون التي تفتك بنا؟ صحيح أن كل واحدة من الدول والأطراف المتناحرة في منطقتنا وبلداننا، تدعي أنها وحدها تمثل صوت العقل الخالص والحكمة المطلقة. وهذه الجائحة لم ينج منها الأفراد أيضاً، فقد اتهمني أحدهم، قبل فترة، بالرمادية عندما قرأ قولي: «الحق موزع في الناس، لذا يظن كل واحد منهم، أن الحق معه». يومها أوضحت للرجل أن هذه الفكرة منشورة في كتابي «عبثاً تؤجل قلبك» الصادر عن وزارة الثقافة عام 2000 أي قبل سبعة عشر عاماً، وهي تنطبق على كل البشر في كل الأزمنة والأمكنة، ولا يجوز النظر إليها من خلال ظروف الحرب الإجرامية التي تشنها الفاشية على بلدنا الحبيب سورية! لكن الرجل تجاهل كلامي كما لو أنني أغني في الطاحون، ولم يكلف نفسه عناء الاعتذار!
صحيح أننا، نحن العرب، نهين العقل في كثير من تفاصيل سلوكنا اليومي، إلا أنني رغم ذلك أؤمن أن طريق العقل هو المنجي الوحيد المتبقي لنا إذا كنا لا نريد الخروج من التاريخ. وقد وجدت إشارات مهمة لطريق العقل فيما قاله رئيس الوزراء الماليزي الأسبق الدكتور مهاتير محمد، خلال منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة الذي عقد في العاصمة الماليزية في الفترة ما بين 10و13 تشرين الثاني 2014.
يرى الدكتور مهاتير من خلال تجربة بلاده أنه ينبغي علينا أن ندخل في حوار مفتوح مع كل مكونات مجتمعاتنا الوطنية من دون استثناء، والاتفاق معها على تقديم تنازلات متبادلة من الجميع بغية «توطين الاستقرار والتنمية» فتقديم التنازلات هو طريق الاستقرار.
ويرى مهاتير أنه لابد من ضبط البوصلة و «توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب وهي الفقر والبطالة والجوع والجهل». كما يرى أنه لا يجوز أن تخضع قيادة المجتمعات المسلمة «لهيمنة فتاوى الفقهاء والوعاظ».
يرى مهاتير «أن اللـه لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم»، لذا يجب التحرر من «ثقافة الثأر والانتقام التي يحرص المتعصبون على نشرها، وأن نتجاوز آلام الماضي وننحاز للمستقبل».
أعتقد أن هذه الوصفة الفكرية ليست جديدة على كثيرين منا، غير أن السبب الحقيقي لاستمرار معاناتنا هو أن بعض المتعصبين لجيوبهم يحتكرون الصواب ويريدون احتكار الوطن برمته أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن