اقتصاد

لعبة الغاز والدم في نهاياتها!

| علي هاشم

لا يستوي فهم التوتر الخليجي وفق المعلن من ذرائعه في «دعم الإرهاب» الذي لطالما شكّل درّة تاج مشيخاته ووظيفتها.
أزمة دول الخليج، التي لم تكن لتتخذ خلافاً ذاتياً بهذا الحجم دون إدارة خارجية، لربما أظهرت قمة جبل الجليد لافتراق مصلحي محتمل بين أجنحة الدولة الأميركية العميقة على ضفتي الأطلسي رسّخته مشهدية الهزيمة في احتلال سورية، أو بعضها.
في مدينة «رأس لفّان» القطرية، يحتفظ شركاء الإمارة بصناديق أسرارهم، وعلى أرصفة مينائها يصطف أسطول نقل الغاز ومنشآت تسييله الأضخم عالمياً، وفي غرفها المظلمة بنيت شراكات كارتيلات النفط والغاز، وعبر أنابيبها مرّت شيكات تمويل الإرهاب ورشا رؤساء ومرشحين على مدى العقدين الماضيين، ومن هناك إلى أوروبا، تمتد شبكة مصالح معقدة ترتبط بمصانع التسييل العكسية في مرسيليا الفرنسية وويلز البريطانية دافقة عشرات ملايين الأمتار المكعبة من الغاز يومياً. رأس لفّان، هذه المدينة الأسطورية، كان لها أن تؤسس يوماً لمحاصرة الدور الروسي في أوروبا، هدف أميركا المصيري.
التنافسية الساحقة للغاز الروسي المتدفق إلى أوروبا عبر أنابيب البلطيق شمالاً، وأخرى محتملة عبر الأسود جنوباً، دفعت لعبة رأس لفان إلى حواف نهايتها لتسوق أمامها تصدّعاً في الدور الوظيفي لمصادر الطاقة الخليجية، زاد طينها بلة، الحضور المباشر لروسيا في منع تحويل الجغرافيا السورية بديلاً موضوعياً يستضيف أنابيب الغاز الخليجي المتدفق شمالاً لمحاصرتها في سوق الطاقة الأوروبية، منذ 2014، ومع تحول ميزان الانتصارات لمصلحة سورية وحلفائها، لربما انبثقت اللعبة الطاقوية العالمية الجديدة، بعد بدء تفكك قديمها.
في كانون الأول الماضي، أبرمت روسيا وقطر صفقة «روس نفط» التي اشترت الأخيرة بموجبها نحو 20بالمئة من أسهمها. إتمام الصفقة قد يؤسس لدور محتمل للشركة في إدارة مقر إقليمي لشبكات الطاقة على الأراضي السورية، وهو يشير إلى تبدل في مزاج أحد الأجنحة الأميركية وقبوله بدور الشريك لروسيا حيالها كممر للغاز القطري أولاً، وكمكمن لكميات فائقة منه ثانياً، شجّعه على ذلك، تبدّل المعطيات الإستراتيجية التي استولدها الصمود السوري، كل ذلك، في مقابل جناج آخر كان يعتقد حتى أمس الأول، بأن الفرصة ما زالت متاحة للاستحواذ على كعكة سورية كاملة.
بعد وصوله وحلفائه إلى الحدود العراقية قبل يومين، طوى الجيش ما تبقى من أحلام «سورية المفيدة» التي جهد بعض الغرب في ترويجها كيما يحتفظ بممر بري شرقها لطعن الغاز الروسي في ظهره الأوروبي، ومنذ اليوم، من يدري، فوفق رؤى مصلحية، قد يقيض لأنابيب الغاز أن تمتد من حقل «القبة القطري/ فارس الإيراني» المشترك، مصافحة «السيل التركي» المرتقب تمهيداً لاجتياح أوروبا طاقوياً، لكن هذه المرة، برعاية روسية أساسية؟
إن كان لما سبق من مشروعية عملانية، فلن يطول الأمر حتى نرى حقل «القبة/ فارس» وقد استبدل الجغرافيا السعودية بالعراقية لتمرير أنابيبه عبر سورية فتركيا وأوروبا، الأهم من كل ذلك، أن انفتاح فوهته سيغلق صندوق «باندورا» المذهبي الذي استخدمه الغرب لتجييش بيادق الدهماء في لعبة مصالحه: «ثوار» وإرهابيين.
مصر، التي تبدو نشازاً في لعبة البيت الوهابي الداخلي، لربما تقودها «ظاهرياً» نزعة انتقامية من قطر بعدما أقر التحكيم الدولي مؤخراً تدفيعها ملياري دولار لشركات إسرائيلية «متضررة» جراء تورط تنظيم «حماس» في تفجير أنابيب غازها إلى «إسرائيل»، وتوقفها نهائياً عن الضخ في 2012.
إلا أن لمصر تطلعات أبعد ترقب من خلالها فرصة التحول إلى مركز إقليمي منافس للغاز عبر تسييل فوائض حقلي تامار وليفيثان الإسرائيليين، وأفروديت القبرصي في مصنعي «إدكو ودمياط» المهجورين، وهذا في الواقع، هو ما يجهد رجال أعمال مصريين وإسرائيليين منذ 3 سنوات، وبرعاية الحكومتين، لتمريره ضمن معادلة الطاقة في المنطقة بالاستفادة من قربها من الأسواق الأوروبية.
إلا أن تطلعات مصرية كهذه تنطوي على مخاطر سياسية ما لم تكن حظيت بالموافقة المسبقة عليه، ليس لتصادمه مع روسيا فحسب، وإنما لتعارضه مع مصالح أخرى في أجنحة الغرب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن