قضايا وآراء

النار من سورية إلى الخليج

| عمار عبد الغني

المعركة الكبرى لتحرير الرقة التي بدأتها «قوات سورية الديمقراطية – قسد» المدعومة من تحالف واشنطن برياً وجوياً الأسبوع الماضي، استحوذت على الاهتمام الإعلامي والدولي والإقليمي، بخلاف الأزمة السورية التي بدأنا نشهد تراجعاً ملموساً بالاهتمام بها، وخاصة لجهة المعارضة سواء المتمثلة بـ«الهيئة العليا للمفاوضات» الموجودة في الرياض أو الائتلاف المعارض في اسطنبول، والتي لم يعد أحد يتطرق أو يأتي على ذكرها.
هذا التراجع أو الانحسار، ولو إلى حين، ظهر جلياً بإعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الكازاخية أنور جيناكوف الخميس بأن الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا أرجأت جولة المحادثات السورية السورية التي كان من المحتمل عقدها في مطلع هذا الأسبوع في أستانا بمشاركة وفود الدول الضامنة ووفد سورية ووفد ممثلي الميليشيات المعارضة إلى العشرين من الجاري أو ربما إلى أجل غير مسمى.
فتلك «المعارضات» أو بالأحرى ميليشيات أستانا، ممنوع عليها المشاركة في معركة الرقة، بأمر من واشنطن، كذلك الحال ينطبق على أنقرة التي لطالما رغبت أن يكون لها دور في ذلك، حيث تجاهلت واشنطن طلبها وحزمت أمرها بالاعتماد على ما تسميهم حلفاءها الأكراد وقوات النخبة السورية المنضوية تحت عباءة «قسد» وزودتهم بالأسلحة الحديثة والمتطورة لأداء هذه المهمة، ضاربة عرض الحائط بنداءات ومناشدات تركيا لعدم القيام بهذه الخطوة التي أربكتها.
من رحم أزمتنا نشهد اليوم ولادة أزمات جديدة في المنطقة، إذ لم تعد الأولوية المطلقة للأزمة السورية التي كانت تحتل العناوين الرئيسية في الفضائيات وعناوين الصحف وألسنة الساسة والمسؤولين من كل أصقاع الأرض على مدى أكثر من 6 سنوات، فالصراع المتنامي بين كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية، انتزعت تلك العناوين وسرقت الأضواء من الأزمة الرئيس على مستوى العالم لتتراجع إلى المواقع الخلفية.
إضافة إلى ذلك، ورغم كل الوساطات الدولية المساهمة لحل الخلاف، توسعت رقعة الصراع الخليجي على عكس ما تشتهي سفن «ابن سلمان وابن عيسى وابن زايد»، ودخلت مرحلة التدويل، في مشهد يبدو مربكاً لموقف مقاطعي الدوحة، فانحازت إلى الجانب القطري كل من طهران وأنقرة بشكل سريع وعلني، وإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يتخلى عن قطر، دلل على أنه سيتدخل لحماية تميم من أي تصعيد داخل البلاد أو من مقاطعي الدوحة، إذ إن من شأن هذه الخطوة أن تنقل السعودية والإمارات تصعيدها مع قطر ليشمل تركيا، لأنهما ستعتبران قطعاً موقف الأخيرة تعزيزاً لـ«التمرد القطري».
طهران من جانبها فتحت مجالاتها الجوية أمام الطيران القطري، وخصصت 3 موانئ لتغذية قطر المحاصرة.
الأزمة السورية التي عهدناها بصورتها التقليدية على مدى السنوات الست، تراجعت إلى الخطوط الخلفية من المشهد السياسي، لتدخل عهداً جديداً بلاعبين جدد، لربما قد نشهد فيه نهاية للميليشيات المسلحة وغياباً لوجوه تلك القيادات من «المعارضة» التي احتلت المشهد السياسي والإعلامي طيلة الأزمة السورية، وبالتالي ليس مستغرباً أن تكف الدول الراعية عن دعمها وأن تحجز لها في فنادق من الدرجة مئة وقد لا تحجز لها.
هذا هو حال السياسة، وبين طرفة عين وانتباهاتها، تتبدل الأمور من حال إلى حال، والأزمة السورية تقترب من فصلها الأخير، لتبدأ فصول أخرى وفي بقاع جديدة، وما يحدث اليوم لقطر هو جزء من انتصار الجيش العربي السوري وتضحياته وصمود شعبنا، وهو ثمن بسيط انتظرناه طويلاً عما اقترفته بحق سورية التي قالت يوماً: «من حاول العبث في أمني.. حلت عليه لعنتي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن