ثقافة وفن

الصلات الاجتماعية في دمشق في شهر رمضان … رجال الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي في اجتماع وطني مميز في رمضان الدمشقي

| منير كيال

يسود مدينة دمشق خلال شهر رمضان صلات اجتماعية مميزة أكان في إطار الأسرة أو العائلة أو ما كان يشمل أعمال البر، وما كان للسلطة من إسهام بتوفير الجو المناسب لهذا الشهر.
ففي مساء اليوم الأول من شهر رمضان يتزاور أفراد العائلة الدمشقية للتهاني والتبريك بحلول شهر رمضان، فعند إعلان مولد هلال رمضان، يتوارد أفراد العائلة إلى مجلس كبيرها فيقبّلون يده مهنئين مباركين ويستمر هذا الحال عدة أيام، وإذا صدف أن مرَّ الأسبوع الأول من الشهر، ولم يقم أحد أفراد العائلة بهذا الواجب، فإن عميد العائلة يشعر بعدم الرضا والراحة تجاه هذا المرء، لأن عميد العائلة يعتقد أن من حقه على أبنائه وأحفاده هذه الزيارة، ويحدثنا العلامة محمد كرد علي في خططه (خطط الشام) بقوله: «إن للدمشقيين عادات برمضان منها: التواصل والانقطاع عن بعض العادات..، وقضاء النهار في سماع المواعظ ، وزيارة بعضهم بعضاً، وارتياد محال اللهو المباح..».

للنسوة دور

وفي بداية الأسبوع الثاني من الشهر يأتي دور النسوة بالمباركة وتقديم التهاني، فتلغى مواعيد الاستقبال المألوفة ويصبح لرمضان خاصية خاصة عندهن، فيتبادلن التهاني بحلول الشهر عصر كل يوم، وخلال ذلك تدور أحاديثهن عن طرق إعداد «طهي» الطعام، وقد يتساعدن في ذلك.
كما يقمن ليلة إثبات مولد هلال رمضان بزيارة العائلات المنكوبة بوفاة عزيز عليها، ويكون حلول شهر رمضان للمرة الأولى على الوفاة، سواء أكانت هذه العائلات من الأهل أم من المعارف والجوار، وذلك من باب المواساة والتعزية، حتى يشعر أهل الفقيد بالسلوى والمؤانسة، ذلك أن إطلاق مدفع حلول شهر رمضان يعتبر بمنزلة تجديد للآلام والأحزان لدى الأسر المنكوبة.
ويقوم العديد من النسوة بالذهاب إلى المقابر بزيارة الموتى بعد عصر اليوم الأول من شهر رمضان ومعهن النواشف من المآكل كأقراص الكبة والصفيحة وبعض الحلوى والزبيب والحلاوة لتوزيعها صدقة على أرواح موتاهن، طالبات لهم الرحمة وقراءة الفاتحة على أرواحهم لأن الفتيان ممن يجيد قراءة القرآن وبخاصة سورة ياسين كانوا يطوفون بالمقابر، فإذا وصل الواحد منهم إلى قبر تقف عنده امرأة يقول لها:
أقرأ لك سورة ياسين خالتي… الله يرحمه
ومن هؤلاء الفتيان أو الصبية من كان يطوف بالمقبرة حاملاً آنية ماء ينادي عليها بقوله: ميّه عاوز.
ومن النساء إذا كان المتوفى حديث الوفاة، أو عزيزاً عليهن… من يبالغن بالتفجّع عند القبر ويعمدن إلى تزيين القبر بالورود وأغصان الآس مع وضع صورة المتوفى على شاهدة القبر بانتظار المعزيات من زوار المقبرة.

موائد عامرة
ويصاحب شهر رمضان في حياة الدماشقة، وخاصة الميسورين منهم القيام بأعمال البِرّ كل حسب مقدرته وسعة حاله كما كانت الدولة تمد الأسماط والموائد التي لا يرد عنها وارد، وتقوم الأسر الميسورة بولائم الإفطار لذوي القربى والمساكين، وتوزيع الصدقات والطعام على الأسر المستورة فضلا عن هذا تنشط الجمعيات الخيرية والمبّرات بتوزيع ما يصل إليها على الفقراء والمعوزين.
وما إن ينتصف شهر رمضان، حتى يفتح الأغنياء صناديقهم لتوزيع زكاة أموالهم بسخاء… حتى لكأن شهراً شمل صيام رمضان الأيدي فصامت عن البخل، وشمل الأموال فصامت عن الاستقرار.
أما العائلات المتوسطة الحال، فتدعو فقيراً أو أكثر لمشاركتها طعام الإفطار، ومن كانت أسوأ حالاً من الأسر فإنهم يجتمعون كل إفطار في دار أحدهم وقد أحضر كل منهم طعام إفطاره فتتلون المائدة ويفطر الرجال معاً والنساء معاً.

الإنفاق والإغداق
فشهر رمضان والحال هذا شهر الخير والبِرّ والتقوى لكثرة الإنفاق والإغداق، حتى إنه يقال: إن من لم يطبخ طوال عامه يطبخ برمضان فشهر رمضان كريم.
ولعل من الخصائص المميزة لهذا الشهر أن الدماشقة كانوا يستعدون لاستقباله قبل حلوله بأسابيع، فالأكلات الطيبة لرمضان والمونة لرمضان والمحلّي (المحالي) لرمضان أما الأسواق، كما أشرنا فتستعد بشكل منقطع النظير إذ يدب فيها النشاط قبل حلول شهر رمضان، بأسبوعين على الأقل، فتعرض هذه المحال (الدكاكين) كل ما يلزم الأسرة من مواد تموينية، ومن ذلك الرز والسكر والسمن والزيت والطحين والفستق الحلبي والجوز والنقوع وقمر الدين وكل ما يحتاج إليه الناس بشهر رمضان، كما يصحب ذلك كثير من النشاط والحركة في الأسواق من ضحى كل يوم من الشهر وحتى السحور.
اللحمة الوطنية

وقد أدى الوعي الوطني والتلاحم المصيري بين الدماشقة إلى مشاركة رجال الدين المسيحي المسلمين، فيقوم رجال الدين المسيحي بزيارة رئيس الجمهورية ونقيب السادة الأشراف والمفتي العام للتهنئة بحلول هذا الشهر المبارك وبالتالي فإن المسيحيين يسلكون سلوكاً يراعي شعور الصائمين، حتى إنه لا يمكن أن يُعرف المرء إن كان مسلماً أم غير مسلم، وكان لهذا السلوك أكبر الأثر في المحبة المتبادلة بين جميع المواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن