قضايا وآراء

هل الصين هي الهدف التالي؟!

د.بسام أبو عبد الله : 

 

لم يكن لدى أي عاقل، أو متابع موضوعي طيلة سنوات الحرب على سورية أن الهدف الحقيقي لهذا العدوان الهمجي الشرس هو تدمير الدولة الوطنية ومصادرة قرارها المستقل لتتحول إلى دولة خاضعة لمراكز القرار الرأسمالي العالمي التي تريد الهيمنة على البشر، وتحويلهم إلى أتباع، وخدم لهذه الرأسمالية المتوحشة التي تخطط للهيمنة على الثروات، والمواقع الاستراتيجية وتدمير هوية وتراث الشعوب كي تصبح بلا ذاكرة، وبلا مستقبل، وكانت وما زالت الأداة الرئيسية لهذا المشروع الشيطاني هي جماعات ودول تنتحل اسم (الإسلام) للوصول إلى الأهداف الخفية، وغير المعلنة.
يلاحظ المتابع أن الدين يُستخدم حسب الهدف والمشروع والبلد، ففي المشرق العربي يُستحضر الخطاب الطائفي، المذهبي، والاثني، والعشائري لتحقيق الأهداف المرجوة، ونجد أن نفس القوى هي التي تُنفذ هذا الهدف (تركيا، السعودية، قطر، إسرائيل) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لضرب وتدمير قوى الاستقلال الوطني باسم الدين تارةً، وباسم الديمقراطية والحريات تارةً أخرى، بالرغم من أن القوى المستخدمة لتحقيق ما يسمى (المشروع الديمقراطي) هي أكثر القوى همجية، وإجراماً، وتخلفاً، وتفاهةً، وهي هنا (داعش، والنصرة) وغيرها من جماعات تنتحل اسم (الإسلام) وهي بعيدة كل البعد عن قيمه وأخلاقه…
مناسبة هذا الحديث هو أن نفس هذه القوى، والأدوات سوف يُعاد تدويرها، واستخدامها ضد خصوم كبار للولايات المتحدة مثل (روسيا، والصين) التي دعمت سورية لأنها تدرك أنها الهدف التالي للمشروع.
بالنسبة لروسيا فقد فتح لها الملف الأوكراني في خاصرتها عبر قوى (الفاشية القومية) المتطرفة، وكان التدخل الأميركي مباشراً وفجاً، ومكشوفاً في الشأن الأوكراني، والهدف أمن روسيا، واستقرارها وأما السلاح الآخر فهو (التطرف الديني الإسلامي) من خلال إعلان ما يسمى (إمارة داعش في القوقاز)، وتقدر الأوساط الروسية حسب نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الإرهاب (أوليغ سيرومولوتوف) أن حوالي (2200) مسلح من أصول روسية يقاتلون في سورية، والعراق وأن موسكو تتعاطى بكل جدية مع تصريحات زعماء التنظيم حول (نقل الجهاد) إلى شمال القوقاز، وآسيا الوسطى…
الحملة نفسها تناولت الصين مؤخراً من خلال إثارة قضية اسمها (منع المسلمين الأويغور من الصيام) حيث شنت مواقع الإخوان المسلمين، ومحطاتهم التلفزيونية حملة إعلامية لنصرة (المسلمين الأويغور)- هي شبيهة تماماً لما كان يُسمى سابقاً بـ(نصرة السوريين!!)، من أجل جذب الانتباه تجاه قضية (الأويغور)، والتوجه الانفصالي لديهم باسم الدين الإسلامي، ومحاربة (الكفار) الصينيين!! وهو نفس المنطق الذي يُستخدم في سورية، وروسيا، وفي أي مكان يستهدفه المشروع الأميركي…
في حالة (الصين) التي أتحدث عنها كانت تركيا هي المركز الأساسي للهجوم حيث حرك رجب طيب أردوغان، وحزبه جموع التابعين له في عشرات المدن التركية لإدانة الحكومة الصينية، ورفعوا شعارات باللغتين الإنكليزية- والصينية مثل (تسقط الإمبريالية الصينية!! وليس الأميركية) و(أتراك الأويغور ليسوا وحدهم!!) و(أيها المسلمون لا تناموا- انصروا أخوتكم)… وترافق كل ذلك مع حملة إعلامية مدعومة من قنوات (الجزيرة القطرية) و(العربية السعودية)، وقنوات غربية أخرى، إضافة لدكاكين الإعلام الإخواني في تركيا…
يريد أردوغان من هذا الأمر أن يحقق أكثر من هدف فهو من ناحية يحرك المشاعر القومية لدى الأتراك الذين يعتبرون (الأويغور) أجدادهم وهو بأمس الحاجة لذلك بعد هزيمته الانتخابية، ومن ناحية أخرى يتابع دوره المرسوم فيما يخص المشاريع الأميركية عبر استخدام الإسلام أداة ضد خصوم أميركا في كل مكان…
الحملة الإعلامية ضد الصين كانت مركزة، واستخدمت فيها عمليات التزوير والتدليس، والمبالغة، والمكذب لحقيقة الأوضاع هناك، ولتفسير القرار الصيني بهدف تهيئة رأي عام إسلامي معادٍ للصين التي ترى فيها الولايات المتحدة الخطر الداهم على هيمنتها العالمية، وتريد مواجهتها في كل مكان بدءاً من بحر الصين الجنوبي، وصولاً للشرق الأوسط…
المضحك المبكي في الأمر أن أردوغان الذي حرك الغوغاء في تركيا عبر عمل سياسي- إعلامي مركز، قد استجاب جزء منهم لهذه الحملة إذ هاجموا مطعماً صينياً في استانبول، وأشبعوا صاحبه ضرباً لمجرد أن المطعم صيني ليكتشفوا أن المعتدى عليه هو من (الأويغور) وليس من (الهان)!! وأما الحادثة الثانية فقد جرت عندما قام غوغاء أردوغان بالاعتداء على باصات لسياح أجانب اعتقدوا أنهم (صينيون)، ليتبين لاحقاً أنهم من (كوريا الجنوبية)!!!
إذن هي نفس الحملة التي استهدفت السوريين قبل أربع سنوات، وقادها أردوغان، وحزبه باعتباره مركز التجمع الأساسي لحركات الإخوان، وداعش، والنصرة، ومركز عمليات الناتو، وواشنطن لمهاجمة خصومهم وترتيب المشاريع ضدهم، وكأن تركيا تحولت إلى مرجعية المسلمين في العالم والمدافع عنهم، انطلاقاً من اعتقاد أردوغان أنه (خليفة المسلمين المزعوم) ولكن السؤال الذي يتوجب طرحه: لماذا لم نسمع كلمة عن قتل المسلمين في شهر رمضان في اليمن مثلاً، أو استهداف السوريين في بيوتهم، ومدارسهم، وقراهم، ومدنهم خلال الشهر الفضيل، أو قتل المصريين، والكويتيين، والسعوديين، والليبيين… وغيرهم الكثير، ولماذا لا نسمع كلاماً عن حقوق الأكراد في ظل حكم أردوغان.
لا كلام عن كل هذا، ولا يهم الإخوان، وأردوغان، وجوقة الحروب في المنطقة، والعالم إلا استخدام (الإسلام) كأداة لتحقيق مصالح قوى تعادي الإسلام والمسلمين وتدمر الشعوب وحضاراتها تحت نفس اللافتة–لافتةالكذب والنفاق والدجل-.
وزارة الخارجية الصينية عبرت عن انزعاجها من رد فعل تركيا، وطلبت توضيحات من أنقرة حول مواقفها، وأما سفير الصين في القاهرة (سونج آيكوه) فقد قال في حفل إفطار أقامته السفارة إن المعلومات حول منع المسلمين (الأويغور) من الصيام عارية من الصحة، ولا أساس لها مطلقاً، وأن الحكومة الصينية تحترم الشعائر الدينية –حيث ينص دستور الصين على أن (حرية العقيدة مكفولة للمواطن، ولا يجوز لأي جهاز حكومي، أو مؤسسة، أو فرد إجبار المواطن على اعتناق عقيدة، أو يمنعه من ممارسة شعيرة دينية).
لقد أتيح لي أن أزور إقليم (تشنيجيانغ) الذي ستنطلق منه القيادة الصينية في مشروع طريق الحرير لتطوير هذا الإقليم اقتصادياً، وليشكل قاعدة انطلاق نحو آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وهو المشروع الذي يقلق واشنطن كما يقلقها المشروع الأوراسي الذي يقوده الرئيس بوتين.. وبالتالي فإن استهداف الصين هو جزء من مشروع استهداف خصوم الولايات المتحدة.. ومن هنا يمكن فهم لماذا انتصار سورية، والشعب السوري مسألة مهمة، وأساسية لإسقاط المشروع الأمريكي – الإخواني – الوهابي – العثماني الذي يستهدف الجميع بما فيها الصين.
إن على الأصدقاء الصينيين دعم سورية لأن حربها ضد الإرهاب هي حربهم، وعليهم تذكير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته المتوقعة للصين بالآية القرآنية الكريمة: «كبر مقتاً عند اللـه أن تقولوا ما لا تفعلون» فالإسلام دين أخلاق، وقيم، ومبادئ، وسلوك، وليس مادة للخطابات وإثارة المشاعر، والتسبب بتمزيق المجتمعات، وقتل الناس – لأهداف – وغايات دنيئة لا يتطابق فيها القول مع الفعل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن