ثقافة وفن

شتان بين رمضان الأمس ورمضان اليوم

| هبة اللـه الغلاييني

كم هو مختلف رمضان اليوم عن رمضان أيام زمان، حيث كان يجتمع الأحبة والخلان، وتعم البركة والفرحة ويصدح الكون بأعذب الألحان. كان الصغار ينتظرون رمضان قبل الكبار، فرمضان بالنسبة لهم تنافس على الصيام حتى مرحلة الظهيرة(درجات المادنة)، كما درجت تسميتها في الأيام الخوالي، حيث يشجع الأهل الأطفال على الصيام التدريجي، ويوزعون عليهم الحلوى والسكاكر (الأكلات الطيبة) على قدر ما استطاعوا من صيام، حتى ينشؤوا على التعود على الجوع والعطش والشعور بأصدقائهم وجيرانهم الفقراء. حيث كان رمضان طقساً مقدساً يلتزم به أهل الشام الطاعة والاستغفار والتوبة والصدقة، والشعور بمشاعر الفقراء والمساكين. كما كان فرصة ثمينة لصلة الرحم وتبادل الزيارات والولائم والسكبات بما لذ وطاب من الطعام والشراب. أما في أيامنا هذه فقد أصبح التواصل الاجتماعي إلكترونياً. يكفي أن تنزل بوستاً (كل عام ورمضان بخير) مع صورة معبرة، وبعض عبارات المجاملة المنمقة حتى تشعر بأنك أديت واجبك الاجتماعي تجاه والديك وأقاربك وأصدقائك. كما أن صور موائد الإفطار تغزو عالم الفيس والتويتر والإنستغرام، عوضاً عن الولائم وصلة الرحم. أصبحت حياتنا في رمضان مادية بحتة، لا روحانية فيها كما من قبل.
كما أن البث الإذاعي (الراديو) أيام زمان كان يلعب دوراً كبيراً، في تمضية وقت الصائم، سواء في المدائح النبوية، أو تلاوة القرآن، أو بعض المسلسلات الكوميدية مثل(صابر وصبرية) اللذين كنا ننتظر خفة دمهما والمقالب الاجتماعية التي يتقنون إيجاد حلول لها
وكان النقل الإذاعي لفترة السحور أحد التقاليد الدمشقية التي ارتبطت بهذا الشهر الفضيل، أتذكر أنني إذا فاتني سماع المذياع فترة السحور لأي سبب من الأسباب أشعر بأن فترة السحور ناقصة، لا أعلم لماذا، ولكن كان من الجميل أن يمسك كل الدمشقيين عن الطعام في وقت واحد، وكان البرنامج عبارة عن قراءة للقرآن، ثم فقرة الدعاء الديني، وفقرة إنشاد ديني يتناوب عليها ثلاثة من مؤذني الجامع الأموي السادة (توفيق المنجد)، (سليمان داوود)، (سليم بيطار) رحمة اللـه عليهم، ولا ننسى روحانية صوت المذيع (علاء الدين الأيوبي) رحمه اللـه والذي كان يترافق مع فترة السحور الرحمانية. أما السحور هذه الأيام فيقام في خيام رمضانية في مطاعم تفتح أبوابها وقت السحور ليسود الهرج والمرج والتظاهر والتباهي بأفخر اللباس والطعام، من دون مراعاة لحرمة هذا الشهر الفضيل، ولحاجة المساكين إلى الأموال التي تهدر على مظاهر زائفة.
والذين يتسحرون في المنزل (في حال وجود الكهرباء) تراهم يتابعون في فترة السحور ما فاتهم من مسلسلات تافهة، ومسابقات غبية. كما لا ننسى دور (المسحراتي) الذي كان يجوب شوارع دمشق وهو يحمل طبلته مناديا(يا نايم وحد الدايم، قوموا على سحوركن، خلوا النبي يزوركن)، كان نداؤه بمنزلة المنبه الذي أصبحنا نستعين به على الاستيقاظ.
كثيرة هي الاختلافات التي طرأت على شهر رمضان، وخاصة في ظل الأزمة التي ألمت ببلدنا الحبيب سورية، ما جعل النفوس تتغير، والطقوس تندثر، والتقاليد تتقلص، وأصبح كل فرد همه تأمين مستلزماته اليومية، واللهث وراء متطلبات عائلته، وأصبح شهر رمضان لذوي الدخل المحدود همّاً وغمّاً لتضاعف الاحتياجات والمستلزمات في ظل الأسعار الجهنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن