قضايا وآراء

ثلاثة متغيرات إيجابية ترسم ملامح جديدة لاندحار المعتدي

| وسام جديد 

خلال أكثر من 6 سنوات من حرب بالوكالة على الأرض السورية، كانت المعطيات الميدانية متحولة سلبياً في بداياتها، ومن ثم انتقلت إلى الحالة الثابتة خاصة نهاية 2014 حتى منتصف 2015، ونتج عنها حالة جمود سياسي وكأنها تثبيت لقواعد المعركة لإنهاك الجيش العربي السوري ومن ثم فرض واقع سلبي يؤدي إلى التقسيم.
واقع الصدمة التي فرضتها «تظاهرات» مدفوعة بماكينة إعلامية ضخمة خلقت عشرات الأكاذيب والخدع لدفع المواطن البسيط للتحرك دون إدراكه للفعل الذي يقدم عليه، وتحويله لطاقة متحركة يتم استغلالها لتنفيذ المخطط المراد من حالة الفوضى الناتجة عن هذه «التظاهرات»، التي أعقبها حالة صدمة في الشارع السوري وخوف على المستقبل.
تحولت التظاهرات إلى «عمل مسلح»، حينها بدأت الماكينة الإعلامية حملات دعائية مكثفة لا تستهدف فقط الداخل السوري وإنما تحولت للخارج من أجل الحصول على «عدم الممانعة» ومنها «شرعنة» دعم بعض الدول لهذا «العمل المسلح» وهكذا بدأت المرحلة الثانية من المخطط الذي يستهدف سورية.
يعتبر عام 2013 الأسوأ على الإطلاق للشعب السوري، وفيه أظهرت المعطيات الميدانية صورة سوداوية لمستقبل الوضع في البلاد، ترافق مع زيادة الضغط السياسي والاقتصادي، حيث كان لصمود الجيش العربي السوري ومقاتليه إضافة إلى قرار الشعب السوري في الدفاع عن ماضيه وحاضره، وإصرار القيادة السورية على التغلب على هذه التطورات السلبية، سبباً بإنهاء «الواقع الأسود» في هذا العام والبدء بمرحلة جديدة عنوانها «استعادة السيطرة».
لكيلا نطيل بالحديث عن سنوات مضت، في كل يوم من أيامها فصل يكتب، علينا أن ندرك أهمية الواقع الحالي المبنى على تقدم مهم وإستراتيجي للغاية باتجاه الحدود السورية العراقية، ذي البعد العسكري والاقتصادي، حيث وبشكل مفاجئ، حتى للميليشيات المدعومة أميركياً، تم الإعلان وعرض لقطات ثم تغطية إعلامية مباشرة عن تثبيت الجيش السوري وحلفائه لنقاط وقواعد له على الحدود، لإيصال رسالة واضحة أن «الجيب» الأميركي المراد خلقه قد انتهى ليس نظرياً فقط وإنما ميدانياً.
وكما كانت حجة الأميركي الدائمة في أي اعتداء له على قوات الجيش العربي السوري في البادية بأن تلك القوات دخلت مناطق ميليشياته، فإن هذه الحجة أصبحت الآن عليهم، حيث إن «الكوريدور» من الشرق للغرب قد أصبح متكاملاً وتم تثبيت النقاط داخله وصولاً للحدود العراقية ليعتبر هذا التطور الإستراتيجي المتغير الأول في مرحلة اندحار المعتدي وتراجعه.
المتغير الثاني، ميدانية أيضاً، وهي ارتفاع وتيرة الاقتتال الحاصل بين الميليشيات في مناطق سيطرتها داخل الغوطة الشرقية وإدلب وريف حلب ومؤخراً درعا، وهو اقتتال لا يتعلق بحالات فردية أو «سوء تفاهم» إنما ناتجة عن خلافات عميقة على كثير من الأمور من بينها السيطرة المطلقة والمال والتهريب والتجارة بالمخدرات، على ألا ننسى التبعية لدول أصبحت متناحرة بينها، ترافق ذلك مع حالة تململ أصبحت علنية داخل «البيئة الحاضنة» التي تحركت مراراً وتكراراً ضد تلك الميليشيات، حتى أظهرت ردات فعل تلك الحاضنة، حالة احتقان تنتظر لحظة لتفضح كل ما حصل، وهو ما كان جلياً في برزة مؤخراً.
المتغير الثالث، الحرب السياسية المتصاعدة بين الدول الراعية للإرهاب في سورية، حيث اشتبكت السعودية وقطر بل وتحول «الكباش» إلى «رفس»، لتعلن السعودية عن قرارها بإنهاء «ظاهرة» قطر ونيتها إلباس حاكمها تميم بن حمد العباءة السعودية والأجمل، بحسب الرؤية السعودية، أن يكون ذلك بالإكراه لاقتلاع كرامة «آل ثاني» نهائياً في الخليج، والتهم جاهزة وهو دعم الإرهاب.
إرهاب مدعوم من الطرفين كانت سورية ساحته الأساسية، لكنه الآن أصبح سلاحاً تستخدمه السعودية لتسويغ حملتها على قطر، لنجد أنفسنا في كشف صريح للأوراق، أوراق تؤكد كل ما قالته الدولة السورية سابقاً عن دعم وتنظيم وإرهاب، ويتطابق مع ما نشرته الوسائل الإعلام الوطنية والصديقة من مشاهد وأخبار عن إرهاب وقتل وتدمير منظم للبنى التحتية السورية، ما يجعل الصورة مكشوفة لا يمكن تخبئتها.
المتغيرات الثلاث تتزامن مع تمدد واسع للجيش العربي السوري باتجاه الشرق عبر عمليات شنها على أكثر من محور أسفرت عن سيطرات متتالية في ريف الرقة الغربي، وشرق تدمر باتجاه حقل آرك، وريف دمشق الشرقي، وريف حمص الشرقي، وريف السويداء الشرقي، وترافق ذلك مع تصريح لرئيس مديرية العمليات في هيئة الأركان الروسية الفريق سيرغي رودسكوي أنه يمكن اعتبار أن الحرب في سورية توقفت عملياً.
العامل الميداني يضغط لمصلحة الجيش العربي السوري، ورغم التهويل المرافق لهجوم ما يسمى تحالف واشنطن على الرقة، مع إصراره على منع القوات السورية من الوصول إلى معبر التنف، كطريق يعيد الربط بين سورية والعراق، فإن المساحات الشاسعة التي تقدم بها الجيش العربي السوري وعزمه على التوجه إلى دير الزور تثبت قواعد المعارك السياسية والميدانية المستقبلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن