سورية

الحازميون يعارضون البغدادي وعيونهم على الجزيرة العربية! .. مقتل البغدادي واختراق مؤسساته يضعان داعش على المحك

| عبدالله علي

سواء صحّ نبأ مقتل زعيم تنظيم داعش أبي بكر البغدادي الذي رجحته وزارة الدفاع الروسية، أم لم يصح، فإن المؤكد الذي لا ريب فيه هو أن قبضة البغدادي الحديدية على مفاصل التنظيم وقراراته قد لانت كثيراً، ولم يعد للرجل الذي قاد داعش وحوّله إلى «خلافة» خلال سنوات معدودة، أي دور آني وفاعل في قيادته والتحكم به، ولا سيما بعد نقل جزء واسع من صلاحياته إلى «اللجنة المفوضة»، بل هناك معطيات بدأت تشير إلى وجود ثغرات واسعة ليس في هيمنة البغدادي المادية على التنظيم، وحسب إنما في جدار مرجعيته الشرعية وأهميته الرمزية والمعنوية أيضاً.
وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن يأتي الحديث عن احتمال مقتل البغدادي بالتزامن مع ظهور مؤشرات جدية على اتساع نفوذ «التيار الحازمي» داخل أجهزة التنظيم ومؤسساته، إذ كلا الأمرين يطرح على طاولة البحث مصير داعش في ظل انحساره الجغرافي، وما المآلات التي تنتظره بعد تفكّك ما «تبقّى من دولته» على وقع الهزائم العسكرية؟
ويعتبر موضوع «التيار الحازمي» أمراً في غاية الخطورة ليس لتنظيم داعش وحسب، بل حتى لأمن المنطقة والعالم، لأن جميع ما نملكه من دلائل وحقائق بخصوص هذا التيار تشير إلى أنه بدأ يشكل «نواة حقيقية لتنظيم جديد يستعد ليرث تنظيم داعش لكن مع جرعات زائدة من التطرف والوحشية»، ويكفي للدلالة على مدى هذه الوحشية المرتقبة التذكير بأن قادة التيار الحازمي يكفِّرون أبا بكر البغدادي، كما يكفرون أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأتباعهما، الأمر الذي يعطي فكرة واضحة عن نظرتهم إلى الآخرين من غير أتباع السلفية الجهادية والطريقة التي سيتعاملون بها مع مخالفيهم.
لكن الأخطر من كل ذلك هو الشبهات الموجودة حول أدوار اضطلعت بها أجهزة استخبارات عربية وغربية في تنمية «التيار الحازمي» ومحاولة تضخيمه بهدف الضغط على تنظيم داعش من أجل وضعه بين فكي كماشة الغلو الممثل بـ«التيار الحازمي» من جهة والاعتدال أو «التمييع» الممثل بتيارات إسلامية أخرى مثل جبهة النصرة و«حركة أحرار الشام الإسلامية» من جهة ثانية.
ولعبت الرياض على ما يبدو دوراً كبيراً من خلال ولي عهدها محمد بن نايف في تأسيس هذا التيار ونفخ الحياة في هياكله من خلال اعتقال الشيخ أحمد بن عمر الحازمي وعقد صفقة معه تمكنه من وضع أفكاره المتشددة موضع التطبيق على أن يكون تنظيم داعش حصراً هو ميدان هذه التجربة وليس أي تنظيم آخر، وتكون الفائدة التي تحصل عليها أجهزة الاستخبارات هي مراقبة وتوجيه تأثيرات هذه التجربة في بنية تنظيم داعش وإمكان تفكيكها بالكامل.
ورغم بعض نجاحات هذه التجربة إلا أن الخشية الحقيقية تكمن في خروج مفاعيلها عن السيطرة وتهديدها لأمن المنطقة والعالم، كما كان داعش في لحظة ما مشروعاً استخبارياً حاولت أجهزة الاستخبارات تشكيله في مختبر «بوكا» لكنه انقلب على الجميع وخلط أوراق المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل.
وقد يكون من أخطر المعلومات التي حصلت عليها «الوطن» من مصادر مقربة من «التيار الحازمي» أن هناك نسبة كبيرة من هذا التيار ترفض تسميتها «التيار الحازمي» أو حتى نسبتها إلى الشيخ أحمد بن عمر الحازمي بسبب اختلافات فقهية مع بعض آرائه ولا سيما تلك المتعلقة بشرعية حكم بني سعود وعدم جواز الخروج عليهم.
كما أكدت المصادر لـ«الوطن» أن ما يعرف إعلامياً بـ«التيار الحازمي» هو في الحقيقة تيارات مختلفة ومتباينة بينها لكنها تلتقي جميعاً على هدف واحد هو مناهضة تنظيم داعش وتكفير قياداته وعناصره، لكن هناك بعض التيارات أصبح لديها أهداف مختلفة تضيق وتتسع بحسب الامكانات والطموحات، حتى إن بعض هذه التيارات يكاد يعلن أنه هدفه الرئيسي هو الوصول إلى الجزيرة العربية وزرع الفوضى فيها تمهيداً لتطبيق نظرية «التوحش» لصاحبها أبي بكر ناجي.
وعملياً تكاد جميع الأخبار التي ترد عن «التيار الحازمي» تكون محصورة في جانب الاضطهاد الذي يعانيه أنصار هذا التيار على يد تنظيم داعش وقادته، ما منح هذا التيار صورة غير واضحة وجعله مجرد ضحية يمارس عليها داعش هوايته في القتل والتعذيب، لكن بعض الحقائق التي ظهرت مؤخراً بدأت تشير إلى أن هذا التيار قد يكون له صورة مختلفة تماماً عن صورة الفريسة المطاردة باستمرار، ولا سيما أن بعض المعلومات أصبحت تتحدث عن اختراق واسع نجح هذا التيار في إحداثه في أجهزة التنظيم ومؤسساته.
المثال الأبرز على هذا الاختراق هو صحيفة «النبأ»، وهي صحيفة أسبوعية تصدر عن تنظيم داعش كل خميس وتتناول مختلف الأحداث والقضايا المتعلقة به سواء عسكرياً أم شرعياً، وطالما كانت «النبأ» منبراً لدى التنظيم يستغله لنشر معلومات تفصيلية عن بعض القضايا مما لا يتناسب مع مهمة «وكالة أعماق» التي تختص بالأخبار السريعة واليومية.
فقد أثارت «النبأ» موجة عارمة من الاحتجاجات بعد صدور عددها الأخير الخميس الماضي ذي الرقم 85 الذي احتوى على مقالة بعنوان «رموز أم أوثان؟» تضمنت لأول مرة طعناً مباشراً بأحد أهم رموز «الجهاديين» وهو عطية اللـه الليبي، واصفةً إياه بأنه «أحد أئمة الضلال ورموز الفتنة» وللعلم فإن الليبي هو الشرعي العام السابق لتنظيم «القاعدة» قتل بغارة جوية في وزيرستان في أفغانستان عام 2010.
وعلى الرغم من أن موقف تنظيم داعش تجاه قيادات الجهاد، قد طرأت عليه تغييرات جوهرية بحيث أصبح يطعن بالظواهري والجولاني وغيرهما من قيادات «الجهاديين» التي لا تزال على قيد الحياة، لكنها المرة الأولى التي يطول فيها الطعن قيادياً لقي مصرعه قبل نشأة تنظيم داعش فكيف، الحال وهذا القيادي من وزن عطية اللـه الليبي؟
ويكفي لإدراك خطورة الأمر ومدى الدلالة التي ينطوي عليها ضمن الإطار التنظيمي لداعش أن نعلم أن أبا بكر البغدادي، سبق له أن خصّ عطية اللـه الليبي بتزكية قل أن يجود بمثلها على أشخاص آخرين إلا على أسامة بن لادن، حيث وصف البغدادي الليبي في كلمته المعنونة «يأبى اللـه إلا أن يتم نوره» بأنه «صاحب العلم والوقار»، ولكون مقتل الليبي تم قبل نشأة داعش فهذا يعني أنه لم تستجد في سيرة الليبي أمور جديدة تستلزم تغيير الموقف منه، وهو ما يصدق أيضاً بخصوص بن لادن وأنور العولقي وأبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر، وهي أهم الأسماء التي امتدحها أبو بكر البغدادي في خطبه السابقة.
لكن ما يلفت الانتباه أن عطية اللـه الليبي، يأتي في مقدمة قائمة الأسماء التي يطعن بها التيار الحازمي ويتهمها بالكفر، وهو ما تسبب بموجة الغضب في صفوف تنظيم داعش وأنصاره، فهل يعني هذا أن البغدادي غيّر موقفه من الليبي؟ ولماذا والرجل مات منذ سنين، أم إن صحيفة «النبأ» لم تعد ناطقة باسم «التنظيم» ولم تعد تعبر عن موقف قيادته؟
في هذه الأثناء بدأ البعض يقوم بتسليط الضوء على رئيس تحرير صحيفة «النبأ» وخلفيته وارتباطاته السابقة لاكتشاف سر هذا التحول في خطاب الصحيفة. ويعتبر أبو حفص الجزراوي السعودي الجنسية المشرف العام على «النبأ» وهو ما يقابل منصب رئيس التحرير، واستلم في السابق منصب والي دير الزور، وهو ما يشير إلى قربه من القيادة المركزية للتنظيم لأن ولاية ديرالزور لم تكن تعطى إلا لأشخاص مقربين نتيجة أهميتها العسكرية والاقتصادية، لكن التاريخ الأبعد للرجل يوحي بوجود خلافات بينه وبين قيادة التنظيم ولا سيما عندما كان ضمن «كتيبة المهاجرين والأنصار» التي أسسها وقادها عمر الشيشاني وقتاً غير قصير قبل أن يبايع البغدادي منتصف العام 2013. حيث تشير المعلومات إلى أن أبي حفص الجزراوي كان من الرافضين آنذاك لمبايعة البغدادي، وحالياً يجري الحديث عنه على أنه أحد عتاة «التيار الحازمي»، بل إن عمر الفلاحي وهو أحد أعضاء فريق المراسلين نقل عن مصادر موثوقة من داخل التنظيم: «أن القائمين على مجلة «النبأ» هم غلاة اقحاح وإنهم من أشد الناس فرحاً بمقتل الشيخ تركي البنعلي»، وأضاف: إنهم «يستغلون أماكنهم لنشر معتقداتهم الخبيثة».
وأيّا يكن الأمر فإنه ينطوي من غير شك على دلالة واضحة على الاختراق الذي يطال أجهزة تنظيم داعش، وكذلك على انحسار هيمنة البغدادي على التنظيم ومفاصله حتى صارت إحدى الصحف الناطقة باسمه تخالفه في الرأي وتناصر رأي التيار الذي يكفره هو شخصياً.
هذه الجزئية المهمة تجعل من الضروري محاولة البحث عن «التيار الحازمي» وأفكاره وأهدافه وخاصةً أنه بدأ يطرح نفسه كوريث لتنظيم داعش كما طرح الأخير نفسه وريثاً لتنظيم «القاعدة» وذلك على ما يبدو في سلسلة متصاعدة من التطرف والتشدد تلقي بظلال من الشك والريبة على حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة لأنها لم تفض منذ بدايتها قبل خمسة عشر عاماً إلا إلى نشر الإرهاب ورفع درجة تطرفه بدءاً من أفغانستان مروراً بالعراق ووصولاً إلى ليبيا وسورية.
وقد استطاعت «الوطن» مقابلة أحد الأشخاص الفاعلين في «التيار الحازمي» وهو شاب سوري يدعى «م. س»، رفض نشر كامل اسمه لأسباب أمنية، درس في الجامعة لكنه لم يكمل دراسته بسبب اندلاع الأزمة السورية، وقد انشقّ عن تنظيم داعش منذ عدة أشهر بعد أن وصل إلى قناعة تامة بكفر البغدادي وزبانيته، على حد تعبيره، وبدأ ينغمس في نشاط «الحازميين» المناهض للتنظيم وقيادته الراهنة، ولكن اللافت في شأن هذا الشاب الذي التقته «الوطن» أنه كان صديقاً مقرباً من البريطاني جاك ليستر المعروف بلقب أبي داوود البريطاني الذي اعتقلته قوات «قسد» مؤخراً أثناء هروبه من مناطق التنظيم.
وقد أدلى (م.س) بمعلومات مهمة ووافية عن نشأة «التيار الحازمي» والأحداث التي مر بها وكيف قامت قيادة داعش بمواجهته بوحشية نادرة خشية من منافسته لها ثم تطرق إلى طموحات هذا التيار وأهدافه في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة؟ كل ذلك سيكون محور تقرير قادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن