مواجع الدراما التلفزيونية
حسن م.يوسف :
«أرسلوا إلينا فنانين ومثقفين، لا دبلوماسيين وسياسيين».
لا يبارحني هذا النداء الذي وجهه المفكر العربي الكبير إدوارد سعيد للحكومات العربية، من خلال أحد حواراته قبل بضعة أعوام من رحيله. فقد لاحظ سعيد أن حفلاً لفرقة من الموسيقيين المبدعين، أو أمسية لشاعر أو أديب خلاق، أو معرضاً لفنان تشكيلي متميز، قد يخدم قضايانا العربية في المجتمعات الغربية أكثر من كل الدبلوماسيين العرب مجتمعين.
والحق أن تأثير الفنون البصرية في بلداننا أكبر بكثير مما هو في البلدان المتطورة، لأن هذه الفنون، وعلى رأسها الدراما التلفزيونية، لا تقف عند حاجز الأمية ولا تنتظر من يوزعها ويشتريها كالكتاب والمجلة والجريدة. بل تذهب إلى كل الناس في بيوتهم وتعرض نفسها عليهم بالمجان!
خلال العقدين الماضيين أحرزت الدراما التلفزيونية السورية عدة خطوات في الاتجاه الصحيح، ما أكسبها سمعة طيبة في مشارق الوطن العربي ومغاربه، وقد سبق لي أن حذرت، غير مرة، من استسلام درامانا لخدر المديح اللذيذ لأنه يغري بالنوم! فـ «مَن لم يُفصِح بتعريف نفسه، وتفضيل يومه على أمسه، فهو مغبونٌ في جنسه» على حد قول النويري في كتابه «نهاية الأرب في فنون الأدب». والحق أن يوم المسلسل السوري بات أسوأ من أمسه، لذا وجب علينا أن نساعده كي يفصح بتعريف نفسه. دعونا نعترف أن نقاط تميز الدراما السورية قد فككت ليتم تسويقها بمعزل عن هويتها وروحها، فقد اشترت الدراما التركية صوت الدراما السورية، كما اشترت الشركات المخترقة نفطياً أبرز نجوم الدراما السورية، وكتابها، أما من لم يتم شراؤهم فقد تركوا تحت رحمة قانون العرض دون طلب، الذي يفضي بوضع كثيرين منهم على الرفوف كي يتراكم عليهم غبار النسيان.
لقد سبق لي أن أعربت، في أكثر من مناسبة، عن احترامي البالغ لكل الفنانين الذين يعملون بإخلاص، محاولين إحداث فرق في هذه الظروف الصعبة، لكن الواجب يقتضي أن نشير بجرأة إلى الدور المدمر الذي يلعبه المتطفلون على الإنتاج الدرامي من «تجار الأزمة» الذين يستغلون ظروف البلد الصعبة، لترويج منتجات سيئة تستغل سمعة الدراما السورية لتحقيق أرباح سهلة وغير نظيفة، كما لو أن الظروف الرديئة يمكن أن تبرر الفن الرديء!
والمريع في الأمر هو أن كثيراً من الأعمال التجارية التي لا تحظى بفرص عرض في الخارج لرداءتها تتلقى الدعم من الجهات المعنية، باعتبار أنها «دراما وطنية» محاصرة!
لقد سبق لي أن طالبت بضرورة تنظيم عمل شركات الإنتاج التلفزيوني، وتشكيل مجالس إدارة لها تضم نسبة من الخبراء المشهود لهم بالكفاءة، لوضع حد لمزاجية أصحاب المال ومحدودية ثقافتهم، صحيح أننا في معركة والسيد نابليون لا ينصح بتغيير الخيول أثناء المعركة، لذا سأكتفي باقتراح واحد يتعلق بأسلوب عمل المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي. فعندما تم إحداث هذه المؤسسة لم يكن الهدف منها إضافة جهة إنتاج أخرى للسوق، بل ترشيد الدراما الوطنية وتحفيز أفضل ما فيها من إمكانيات، بشتى الطرق وعلى رأسها الإنتاج المشترك. منذ إنشائها والمؤسسة تختار أفضل ما يعرض عليها من نصوص لإنتاجها، وهذا الأسلوب يضعها تحت رحمة ظروف العرض. لذا أقترح أن تنتقل المؤسسة من حالة التلقي السلبي إلى حالة الفعل الإيجابي، بأن تختار عدة روايات سورية، تُكلف بأفلمتها كتاب سيناريو محترفين، ولا بأس أن تتشارك المؤسسة في إنتاج هذه الأعمال مع بعض الفنانين المنتجين الذين أثبتوا قدرات متميزة في عملهم كمنتجين منفذين!