قضايا وآراء

مسودة الاستراتيجية العسكرية الأميركية للعام 2015 وفشلها في المنطقة

تحسين الحلبي : 

سمح «البنتاغون» قبل أيام بنشر بعض ما جاء في مسودة حول (الاستراتيجية العسكرية الأميركية للعام 2015 في 24 صفحة وكان مايك ويتني أحد الكتاب السياسيين الأميريكيين المعروفين قد أشار إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى السيطرة عن طريق القوة العسكرية على أهم المصالح في العالم من خلال نشر العنف ومنظماته المسلحة بطريقة عرضها رئيس أركان الجيوش الأميركية (مارتين ديمبسي) بهذه العبارات: «إن النزاعات التي تقع في المستقبل ستنشأ بشكل سريع وستدوم لزمن أطول وستجري في ميادين حربية تزيد فيها التحديات الفنية ويجب علينا التكيف بسرعة مع الأخطار الجديدة إلى جانب الاستفادة من الأخطار القديمة..» ويتحدث ديمبسي في هذه الاستراتيجية عن متابعة ما ينشأ من عمل عسكري تقوم به المنظمات والأطراف (من غير الدول) ليؤكد أن الحلول ضد هذه الأطراف (من غير الدول) ستكون طويلة وليست سريعة وحاسمة.. وهذا المفهوم الذي يقدمه (ديمبسي) يدل على المصلحة الأميركية المتزايدة من انتشار مثل هذه المنظمات والمجموعات (مثل داعش وغيرها) وتوسيع ساحات الإرهاب التي تعمل فيها، فقد بلغ عدد المجموعات المسلحة التي ظهرت في سورية وحدها، وجميعها ذات اتجاهات إسلامية متشددة (وهابية) أكثر من 70 مجموعة تحمل أسماء تتقارب من خلالها مع القاعدة وأكثر من عشرين مجموعة أخرى تتقارب مع (داعش) والنصرة ومن الواضح أن واشنطن فضلت أن تمتد الأعمال الإرهابية لهذه المجموعات إلى دول كثيرة في المنطقة في مصر وليبيا وتونس والجزائر وفي العراق ولبنان واليمن لكي تتحول ساحة هذه الدول ضمن جدول العمل الأميركي إلى ساحة تدخل وزيادة نفوذ للولايات المتحدة..
ويضيف (ويتني) بأن الاستراتيجية الخاصة بعام 2015 تضع في خطتها أن تبقى هذه الدول منشغلة بحروب الإرهاب التي تشنها هذه المجموعات ما دامت دول كبرى لا تقوم بتسليح جيوش هذه الدول، لأن واشنطن لن تسمح لها بتسليحها إذا تمكنت من فرض هذا الموقف.. ولهذا السبب تعتبر الاستراتيجية الأميركية أن روسيا وإيران وكوريا الشمالية تشكل أخطاراً «عدوانية» على أميركا إذا قامت بتسليح هذه الدول لكن واشنطن لم تستطع تحقيق هذه الغاية لأن روسيا وإيران تعلنان دوماً أنهما تسلحان سورية لمجابهة الإرهاب ومجموعاته كما أن مصر نفسها عقدت اتفاقات لشراء أسلحة روسية وروسيا نفسها لا تتوقف عن متابعة هذه الحروب الإرهابية الأميركية التي تنتقل من بلد لآخر في المنطقة.
وكان (ويتني) نفسه قد شارك في دراسة بعنوان «باراك أوباما وسياسة الأوهام».
يوضح فيها الدور الدولي لروسيا والصين في مجابهة هذه الاستراتيجية سواء في أوكرانيا أم في الشرق الأوسط ويبدو أن مسلسل الفشل الأميركي في تنفيذ هذه الاستراتيجية هو الذي بدأ يفرض على أوباما الاتفاق مع الدول الخمس الأخرى على ضرورة التوصل إلى حل مع طهران لا تقتصر الاتفاقات فيه على الموضوع النووي الإيراني بل تتسع لتشمل مسائل ترتبط بضرورة وجود سياسة أميركية مختلفة تجاه الشرق الأوسط..
وهذا يعني إيقاف الدعم المالي واللوجستي الذي تقدمه الدول المتحالفة مع واشنطن في المنطقة مثل السعودية وقطر والأردن بشكل خاص للمجموعات الإرهابية المسلحة.
ويرى (غاري لويب) أن السنوات الأربع الماضية بدأت تؤكد تطوراتها في سورية بشكل خاص وفي مصر وتونس والعراق بشكل عام أن الفشل الأميركي في تحقيق الهيمنة على هذه الدول تحول إلى فشل سعودي وقطري وأردني وتركي وبدأت مظاهر هذا الفشل تتأكد يومأً تلو آخر في عام (2015) الذي شهد سقوط حكومة (داوود أغلو) وفشل الحرب السعودية على اليمن في تحقيق أهدافها وفشل الأردن في التحول إلى دور جديد على حساب سورية والعراق وفشل الأموال القطرية في إيجاد حلفاء محليين يحققون الأهداف الأميركية. فهذه الصورة التي سترافق تطورات المنطقة حتى نهاية عام 2015 ستجبر أوباما على إعادة النظر في الاستراتيجية العسكرية الأميركية لعام 2015 لأن عالم القطب الأحادي سيشهد آخر انهيار لصاحبه في عام 2016.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن