اقتصاد

رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية: الاقتصاد الصيني سوف يبقى المقصد الأكثر جاذبية للاستثمار

| المحرر الاقتصادي

استهل رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية لي كتشيانغ كلمته التي ألقاها خلال افتتاح الاجتماع السنوي لمنتدى دافوس الصيفي (الذي أقيم في داليان بالصين بين 27 و29 حزيران الماضي) بالإشارة إلى أن علامات الانتعاش الاقتصادي والتجاري على المستوى العالمي بدأت بالظهور، وبأن جولة جديدة للثورة الصناعية أعطت الناس أملاً جديداً، وأن العولمة الاقتصادية أصبحت اتجاهاً لا يمكن مخالفته.
وبيّن كتشيانغ خلال كلمته (حصلت «الوطن» على نسخة منها) أن الانتعاش الاقتصادي العالمي، في الوقت نفسه؛ مثقل بغياب محركات النمو، عدم التوازنات الهيكلية، التي لم تعالج بشكل أساسي، موضحاً أن المخاطر الجيوسياسية بازدياد، وكذلك عوامل عدم اليقين. مشيراً إلى أنه «طالما أننا نقوي عزمنا ونبذل جهوداً لا هوادة فيها، فإن الاستقرار سوف يسود على عدم اليقين».
وأشار كتشيانغ إلى تأكيد رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في وقت سابق من العام الجاري؛ بالتزام الصين القوي بالعولمة الاقتصادية والتجارة الحرة، لافتاً إلى أن سمة هذا الاجتماع السنوي «تحقيق النمو الشامل في الثورة الصناعية الرابعة»، وهي مرتبط بدرجة عالية بعصرنا.

وأوضح أن الجولة الجديدة للثورة الصناعية، والتي تقوم في عصر العولمة الاقتصادية؛ أعطت دفعاً قوياً للنمو الاقتصادي على مستوى جميع الدول، ووفرت فرصاً غير مسبوقة للمشاركة المتساوية، وبشّرت أكثر بالنمو الشامل، إلا أن إدارتها بشكل غير مناسب قد تقود إلى قصور في شمولية النمو.
منوهاً بأن البعض قد يستفيد أكثر من الآخرين، وأن الصناعات التقليدية والوظائف قد تتلقى ضربة، وبأن العوائد على رأس المال وعلى العمل قد تتباعد أكثر، لذا فإن معالجة هذه القضايا بشكل جيد ذي أهمية اقتصادية واجتماعية. وأشار رئيس مجلس الدولة الصيني إلى أن النمو الشامل يحقق عدالة أكبر في المجتمعات، ويجعل التنمية مفيدة على نطاق أوسع، لذا فإدراك الشمولية وتحقيق التنمية المستدامة هما وجهان لعملة واحدة.
ولفت كيشيانغ إلى أن تعزيز النمو الشامل في عصرنا متصل بالتمسك بالعولمة الاقتصادية. موضحاً أن جميع البلدان استفادت من العولمة الاقتصادية، كما واجهت تحديات بمختلف الأشكال، منوهاً بأنه لا يمكن لوم العولمة الاقتصادية، بحدّ ذاتها، جراء تلك المشكلات، وبأن ما هو مهم يتركز بكيفية التكيف مع العولمة الاقتصادية والاستجابة لها، «علينا تكييف العولمة الاقتصادية والتوجه نحوها بشكل أفضل، وتعزيز التجارة وتحرير وتسهيل الاستثمار، وعلينا أن نضع ترتيبات مؤسساتية تحفّز الكفاءة والإنصاف، ونؤمن فرص المشاركة المتساوية للجميع، ونعطي دعماً أكبر للفئات الضعيفة، ونطور نموذجاً للنمو الشامل والمتوازن».
وأشار إلى أن الصين سعت بشكل فاعل لتحقيق النمو الشامل، وهذا كان سبباً لما حققه الاقتصاد الصيني من نمو ثابت خلال السنوات الأخيرة رغم تراجع الاقتصاد العالمي، موضحاً أن الصين ركّزت على الشمولية في إستراتيجياتها التنموية، تمشياً مع مبادئ التنمية المبتكرة، المنسقة، الخضراء، المفتوحة والمشتركة. كما عملت على تعزيز النمو الشامل من خلال توفير الضمانات المؤسساتية والدعم للسياسات، ما ساعد الصين على حرق المراحل في طريق النمو الشامل مع ميزات صينية مميزة.
وأوضح كيشيانغ أن الصين أعطت الأولوية للعمالة في تحفيز التنمية، إذ إن العمالة هي الأساس في تحقيق النمو الشامل، والصين لديها ما يزيد على 900 مليون من قوة العمل، وكل عام يتخرج نحو 13 مليون طالب من الجامعات والمدارس الثانوية، وعدد أكبر من فائض العمالة الريفية يهاجرون إلى البلدات والمدن، لذا انتهجت الصين سياسة عمالة استباقية، شجعت على خلق فرص العمل من خلال تأسيس المشاريع، والدعم الموسع للفئات الرئيسة مثل خريجي الجامعات، وتأمين المساعدة للذين يكافحون للحصول على فرصة عمل، وخلال السنوات القليلة الماضية، تم خلق ما يزيد على 13 مليون فرصة عمل جديدة سنوياً في المدن، وبقي معدل البطالة في المدن مستقراً قرب 5 بالمئة، «وهذا بحق إنجاز لافت لبلد نامٍ كبير يزيد تعداد سكانه على 1.3 مليار نسمة».
ولفت كتشيانغ إلى أن الصين شجعت المزيد من الناس للتوجه نحو ريادة الأعمال والابتكار، وفي السنوات الأخيرة، نفذت الصين جدياً إستراتيجية التنمية المقادة بالابتكار، وعززت ريادة الأعمال والابتكار الشامل، الأمر الذي حقق نتائج أكثر مما كان متوقعاً، لافتاً إلى أن ريادة الأعمال والابتكار في الصين تقومان على المشاركة العامة المكثفة، دون أن تشترك المشاريع ومؤسسات الأبحاث وحدها في هذه المساعي، بل يمكن للناس العاديين المشاركة أكثر فيها، وخلال السنوات الثلاث الماضية كان يدخل السوق نحو 40 ألف مشروع جديد يومياً، يضم نحو 14 ألف ترخيص لمشاريع جديدة.
وأوضح أن ريادة الأعمال والابتكار في الصين يقودها التعاون بين المشاريع المختلفة في السوق، وقد أسست الصين منصات مفتوحة ومشتركة، بحيث يمكن للمبتكرين في مختلف المجالات أن يتفاعلوا، سواء بوجود انترنت، أم من دونه، ما يجعل ريادة الأعمال والابتكار أكثر كفاءة، وأقل تكلفة، وأسرع إنجازاً. وبالتالي، وزعت ريادة الأعمال والابتكار في الصين المنافع بين الجميع، «الصناعات الجديدة وأشكال ونماذج مشاريع الأعمال الجديدة التي انبثقت من هذه الآلية لم تجعل حياة الناس أكثر راحة فقط، وإنما وفرت عدداً أكبر من فرص العمل، التي أعطت المزيد من الناس فرصاً لتحسين معيشتهم». كما أن ريادة الأعمال والابتكار في الصين حسّنت من التحول والارتقاء الاقتصادي، وأمنت نمواً سريعاً للصناعات الناشئة وساهمت بإعادة تنشيط الصناعات التقليدية، ودعمت التنمية بقوى محركة جديدة.
وأكد كتشيانغ أن الصين مستمرة برفع مستويات الرفاه الاجتماعي لمواطنيها، إذ وضعت ثلاث شبكات للضمان الاجتماعي، تغطي كامل السكان، مثل المعاش الأساسي، والرعاية الطبية الأساسية، والتعليم الإلزامي. وخلال الثلاثين عاماً الماضية، خرج ما يزيد على 700 مليون صيني من دائرة الفقر، محققين المعجزة الصينية في تاريخ مكافحة الفقر. وتستهدف الصين اليوم، في محاولات تخفيف الفقر؛ ما تبقى من نحو 40 مليون فقير في الريف، لإخراجهم من دائرة الفقر مع حلول العام 2020. وخلال السنوات الثمان الماضية، استثمرت الصين ما يزيد على 6 مليارات يوان بشكل تراكمي لتأمين المسكن الملائم لما يزيد على 80 مليون مواطن، من خلال إعادة بناء أكثر من 30 مليون وحدة سكنية، وهذا ما يعادل تأمين السكن لكامل سكان بلد كبير نسبياً.
وأشار رئيس مجلس الدولة الصيني إلى أن بلده حافظت على زخم النمو الاقتصادي القوي والثابت هذا العام (2017)، فقد نما الاقتصاد بمعدل 6.9% خلال الربع الأول، مع تحسن ملموس في الأداء الاقتصادي، كما حافظت المؤشرات الاقتصادية الرئيسة على تحركها في الاتجاه الإيجابي خلال الربع الثاني.
مبيناً أن الاحتياطيات الأجنبية استأنفت نموها من جديد، مع استقرار في سعر صرف الرينمنبي. وبشكل خاص، كان هناك قوة في العمالة، إذ شهدت معدلات البطالة انخفاضاً إلى مستوى 4. 91 بالمئة في المدن خلال شهر أيار، وهو أقل مستوى في سنوات، كما عدّلت المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث توقعاتها حول النمو الصيني.
وأضاف: «يسرّنا أنه كما نشهد أداءً اقتصادياً متيناً، فإننا نشعر بتشجيع أكبر من التغيرات القيّمة في بنيتنا الاقتصادية. إذا لم نلجأ في السنوات الأخيرة إلى تدابير تحفيزية قوية، وبدلاً من ذلك، حافظنا على إعادة تعديل هيكلية اقتصادنا عبر الإصلاح والابتكار وتأمين التحول الأساسي من الاعتماد بشكل كبير على التصدير والاستثمار إلى دعم النمو بواسطة الاستهلاك وقطاع الخدمات والطلب المحلي».
وأشار إلى أن الاستهلاك أصبح محرك النمو الرئيس خلال العام الماضي، مساهماً بـ64.6 بالمئة في النمو الاقتصادي؛ وحظيت القيمة المضافة في قطاع الخدمات بـ51.6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي؛ وهبطت نسبة ميزان الحساب الجاري إلى نسبة 1.8 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ما يظهر أن الطلب المحلي أصبح دعامة أكثر قوة للاقتصاد. وتشير هذه التغيرات الرئيسة إلى تحسن نوعي في الاقتصاد الصيني، جعلت نموه أكثر استقراراً واستدامة.
وأضاف رئيس مجلس الدولة الصيني: «لقد قلت ذلك، نحن نواجه صعوبات اقتصادية وتحديات كبيرة، ونحن على أتم الاستعداد لمعالجتها، فبالنظر إلى البيئة الخارجية المتقلبة والمعقدة، من المحتمل ملاحظة تذبذبات هامشية وقصيرة الأجل في بعض المؤشرات الاقتصادية، في هذه المرحلة الحرجة من التحول والارتقاء في الاقتصاد الصيني، لكن المسار العام للاستقرار والنمو سوف يبقى من دون تغيير، وسوف ننجز هذا العام أهدافاً ومهام أساسية في التنمية».
وتابع في كلمته الافتتاحية في منتدى دافوس الصيفي: «سوف نعمل على تعميق الإصلاح في كل المجالات، والمحافظة على التنمية المقادة بالابتكار، والتركيز على تبسيط الإدارة، وتفويض الحكومة بسلطات أوسع، واقتطاع الضرائب والرسوم، وتعجيل التحول من الاعتماد على محركات النمو القديمة إلى الجديدة، مع معدلات دين حكومي أقل نسبياً، بين دول الاقتصاديات الرئيسة، ومعدلات ادخار أعلى نسبياً، ومعدلات عالية لكفاية رأسمال في المصارف التجارية وتغطية المؤونات، ونحن قادرون تماماً على ضمان الأداء الاقتصادي، على المدى المنظور، والحدّ من المخاطر المنتظمة، والحفاظ على معدل النمو المتوسط- العالي».
وأشار كتشيانغ إلى أن الجهود الاستباقية سوف تبذل لتوسيع الانفتاح وبناء بيئة أعمال عالمية تنافسية، موضحاً أن الصين سوف تزيد من سهولة الوصول إلى السوق في قطاعات الخدمات والتصنيع، وسوف تخفف من تغطيات الملكية الخارجية في بعض مجالات اهتمام الأعمال الخارجية، وسوف تحسن وتطور نموذج تشريع القائمة السلبية.
أضاف: «سوف نشجع الشركات المستثمرة في الخارج لإعادة استثمار أرباحها في الصين، وسوف ندعم الشركات المتعددة الجنسيات في تأسيس فروع رئيسة إقليمية في الصين، ونشجع الاستثمار الخارجي في وسط وشرق الصين وفي القواعد الصناعية القديمة مثل الصين الشمالية، كما سوف نعامل الشركات الأجنبية والمحلية على قدم المساواة في الطلبات والسياسات الداعمة، إضافة إلى طرح تدبير لمساعدتهم في الحصول على الترخيص عبر خدمات النافذة الواحدة، ومعاملة طلباتهم في وقت محدود، وسوف نخفض ألف مليار يوان من الضرائب والرسوم للمشاريع هذا العام، سوف تكون متاحة بالتساوي للشركات المستثمرة في الخارج، وسوف تستورد الصين بضاعة بـ8 ترليونات دولار أميركي خلال السنوات الخمس القادمة».
وختم رئيس مجلس الدولة الصيني كلمته بالقول: «الاقتصاد الصيني الذي يتمتع بزخم قوي على المدى الطويل والذي يصبح أكثر انفتاحاً سوف يبقى المقصد الأكثر جاذبية للاستثمار».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن