قضايا وآراء

سورية.. أزمة اشتباك

مازن بلال : 

توضح الحشود التركية في الشمال السوري أن أنقرة خرجت عن إطار كسر التوازن العسكري، فرغم أن الجماعات المسلحة تسيطر في محافظة إدلب وإلى حد كبير في محافظة حلب، ولكن الرهانات السياسية بالدرجة الأولى لم تعد ضمن سياق هذا الشكل العسكري الذي دعمته تركيا قبل أشهر قليلة، فالتوازن العسكري بات مطلبا أميركيا للدخول إلى أي مسار سياسي، وواشنطن وفق تصريحات وزير دفاعها، آشتون كارتر، تملك مقاربة مختلفة في مسألة الانتشار المسلح، وهو ما دفع الجيش التركي للانتشار على طول الحدود مع سورية؛ مقدما خطوة هي في النهاية محاولة لاستعادة المبادرة أكثر منها إستراتيجية للتوغل داخل سورية.
عمليا فإن حزب العدالة والتنمية يبحث اليوم عن إيجاد قواعد اشتباك جديدة في سورية، فهو مقبل على استحقاقات سياسية مختلفة عن المرحلة السابقة، ومهما كانت نتيجة تشكيل الحكومة التركية الجديدة أو طبيعة التحالفات فإن أي شراكة سياسية مع أحزاب المعارضة ستفرض شروطا مختلفة تجاه سياسته السورية، ومن هذه النقطة تحديدا يظهر الجيش كأحد العوامل الأساسية في مسألة التعامل بشكل مختلف مع الواقع في شمال سورية، حيث يظهر مؤشران أساسيان:
• الأول في طبيعة النفوذ التركي في المنطقة، فالعدالة والتنمية يريد زيادة فرصه في التعامل مع أي حل سياسي قادم في ظل انكشاف كامل لحلفائه السياسيين في «الائتلاف»، وعدم قدرة هذا الجهاز على استعادة زمام المبادرة وفقدانه للفرص وسط تعقد الحل السياسي.
ويظهر استخدام الجيش هنا عبر الدخول التركي المباشر في شروط الحل السياسي، فالتفاوض القادم سيتعامل بفض الاشتباك مع أنقرة وإدخال ترتيبات الحدود الشمالية لسورية ضمن أي حزمة حل، فتركيا تريد ترتيبات سورية داخلية كي لا تدفع وحدها ثمن الفوضى المنتشرة على طول حدودها، وتحاول تصفية النتائج المترتبة عن دعمها المباشر طوال السنوات السابقة للمجموعات المسلحة، فالجيش هنا هو ورقة سياسية ضمن الحل النهائي هدفه في النهاية تغير الاشتباك الحاصل في سورية عبر فرض إزاحة بعض الميليشيات المحلية، الأكراد تحديدا، من قائمة التفاوض النهائي.
• الثاني ضمان التعامل مع السياق الروسي في مسألة محاربة داعش، فالوجه الأول لانتشار الجيش هو التهديد تجاه أي تغيير في الواقع الديموغرافي على طول الحدود التركية مع سورية، ولكن على المقلب الآخر فإن تحصين حدودها يشكل أحد شروط محاربة تنظيم داعش، وانتشار الجيش التركي الذي ظهر من دون إعلان واضح من أنقرة تجاه طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن التحالف الإقليمي هو مقدمات أساسية لأي مرحلة جديدة تتيح عملياًإيجاد مبررات للتعامل مع هذا التحالف.
أزمة الاشتباك في سورية تبدو في التحولات من الصراع المباشر باتجاه طبيعة الأمن الوطني لكل الدولة، فاختراق السيادة المستمر منذ بداية الأزمة وحتى اليوم أعاد صياغة مفهوم «الأمن»، وأوضح أن الدول الإقليمية باتت بحاجة إلى آليات جديدة بعد أن أصبحت كل العلاقات في المنطقة يحكمها انتشار «الإرهاب»، فداعش والنصرة وغيرهما من التشكيلات أصبحت ظاهرة إقليمية لا تعني سورية والعراق بل تحدد مستقبل دول الشرق الأوسط عموما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن